الأحد، 25 فبراير 2018

دروس البيقونية ( 25 )

تقديم الشيخ : محمد ولد المصطفى الأنصاري
الدرس الخامس والعشرون من شرح كتاب البيقونية في مصطلح الحديث
القسم الواحد والثلاثون الحديث الموضوع
قال المؤلف رحمه الله :
والكذبُ الُمخْتَلَقُ المصنُوعُ ... على النبيِّ فذلكَ الموضوعُ.
الشرح:
 عرفه المؤلف بقوله: والكذبُ الُمخْتَلَقُ المصنُوعُ ... على النبيِّ فذلكَ الموضوعُ.
يعني هو: الذي اصطنعه بعض الناس، ونسبه إلى النبي صلى الله عليه وسلّم، فإننا نسميه موضوعاً في الاصطلاح.
* وكلمة موضوع هل تعني أن العلماء وضعوه ولم يلقوا له بالاً، أم أن راويه وضعه على النبي صلى الله عليه وسلّم؟
نقول: هو في الحقيقة يشملهما جميعاً، فالعلماء وضعوه ولم يلقوا له أي بالٍ، وهو موضوع أي وضعه راويه على النبي صلى الله عليه وسلّم.
والأحاديث الموضوعة كثيرة ألَّف فيها العلماء تآليف منفردة، وتكلموا على بعضها على وجه الخصوص، ومما أُلف في هذا الباب كتاب "اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة" ومنها "الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة" للشوكاني، ومنها "الموضوعات" لابن الجوزي، إلا أن ابن الجوزي - رحمه الله - يتساهل في إطلاق الوضع على الحديث، حتى إنهم ذكروا أنه ساق حديثاً رواه مسلم في صحيحه وقال إنه موضوع! ولهذا يُقال: "لا عبرة بوضع ابن الجوزي، والأحاديث الموضوعة لها أسباب: * منها التعصب لمذهب أو لطائفة، أو على مذهب أو على طائفة،  مثل آل البيت؛ فإن الرافضة أكذب الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلّم، لأنهم لا يستطيعون أن يُروجوا مذهبهم إلا بالكذب، إذ أنَّ مذهبهم باطل كما ذكر ذلك ابن تيمية رحمه الله .
والموضوع مردود، والتحدث به حرام، إلا من تحدّث به من أجل أن يبين أنه موضوع فإنه يجب عليه أن يبين ذلك لناس، ووضع الحديث على رسول الله صلى الله عليه وسلّم من كبائر الذنوب لقول النبي صلى الله عليه وسلّم: "من كذب علّي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار" .  وثبت عنه أنه قال: "من حدَّث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحدُ الكاذبين" .
وإذا أردت أن تسوق حديثاً للناس، وتُبين لهم أنه موضوع ومكذوب على النبي صلى الله عليه وسلّم، فلابد أن تذكره بصيغة التمريض "قيل ويُروى ويُذكر" ونحو ذلك، لكي لا تنسبه إلى النبي صلى الله عليه وسلّم بصيغة الجزم، لأنه إن فعلت ذلك أوقعت السامع في الإيهام.
عدد أبيات المنظومة وخاتمتها
ثم قال رحمه الله:
وقَدْ أتَتْ كالَجوهَر الَمكْنُونِ ... سَمَّيتُها منظُومة البَيقُونِي
قوله: "أتت" الضميُر يعود على هذه المنظومة.
وقوله "كالجوهر المكنون" أي مثل الجوهر، فالكاف للتشبيه.
و"أتت" فعل ماضي، وفاعله مستتر، و "كالجوهر" منصوبة على الحال، أي: أتت مثل الجوهر.
وقوله "المكنون" أي المحفوظ عن الشمس، وعن الرياح، والغبار فيكون دائماً نضراً مشرقاً.
وقوله "منظومة البيقوني" نسبها إليه، لأنه هو الذي نظمها.
ثم قال رحمه الله تعالى:
فوقَ الثلاثيَن بأربعٍ أتَتْ ... أبياتُها ثمَّ بخيٍر خُتِمتْ
قوله "فوق الثلاثين بأربعٍ أتت" أي أنها أتت أربعة وثلاثين بيتاً.
وقوله "أبياتها ثم بخير خُتمت" يعني أن أبيات هذه المنظومة جاءت فوق الثلاثين بأربع ثم خُتمت بخير.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات
هذا والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى وصحبه وسلم تسليما كثيرا .

دروس البيقونية ( 24 )

تقديم الشيخ : محمد ولد المصطفى الأنصاري
الدرس الرابع والعشرون من شرح كتاب البيقونية في مصطلح الحديث .                                
القسم التاسع والعشرون الحدث المنكر ، والقسم الثلاثون الحديث المتروك .
قال المؤلف رحمه الله:
والُمنكَرُ الفَرْدُ بهِ رَاوٍ غَدَا ... تَعدِيلُه لا يْحمِلُ التَّفَرُّدَا      
الشرح:
اختلف المحدثون في تعريف المنكر: فقيل: إن المنكر هو ما رواه الضعيف مخالفاً للثقة. مثل: أن يروي الحديث ثقةٌ على وجه، ويرويه رجل ضعيف على وجه آخر، حتى وإن كانا الراويان تلميذين لشيخ واحد. وقال بعضهم في تعريف المنكر: هو ما انفرد به واحد، لا يحتمل قبوله إذا تفرَّد. وهذا ما ذهب إليه الناظم.
وعلى هذا التعريف يكون المنكر هو الغريب، الذي لا يحتمل تفرد من انفرد به، وهو مردود حتى لو فُرض أن له شواهد من جنسه، فإنه لا يرتقي إلى درجة الحسن، وذلك لأن الضعف فيه متناهي، والتعريف الأول هو الذي مشى عليه الحافظ ابن حجر رحمه الله في كتابه نخبة الفِكر.                                                                                                   وأما الحديث المتروك وبيانه
قال المؤلفُ رحمه الله:
مَتُروكُهُ ما وَاحِدٌ بهِ انْفَرَدْ ... وأجَمعُوا لضَعْفِهِ فهْوَ كَرَدّ
الشرح:
المتروك عرفه الناظم بقوله: "ما واحدٌ به انفرد" يعني أن المتروك هو ما انفرد به واحد، أجمعوا على ضعفه. والضمير في "أجمعوا" يعود على المحدثين.
قوله "فهو كردّ" أي هو مردود، والكاف زائدة من حيث المعنى.
فالمتروك كما عرفه المؤلف، هو: الذي رواه ضعيفٌ أجمع العلماء على ضعفه.
فخرج به: ما رواه غير الضعيف فليس بمتروك، وما رواه الضعيف الذي اختلفوا في تضعيفه.
هذا هو ما ذهب إليه المؤلف.
وقال بعض العلماء ومنهم ابن حجر في النخبة: إن المتروك هو ما رواه راوٍ متهمٌ بالكذب.
فمثلاً: إذا وجدنا في التهذيب لابن حجر، عن شخصٍ من الرواة، قال فيه: أجمعوا على ضعفه، فإننا نسمي حديثه متروكاً إذا انفرد به، لأنهم أجمعوا على ضعفه.
وإذا وجدنا فيه قوله: وقد اتهم بالكذب فنسميه متروكاً أيضاً، لأن المتهم بالكذب حديثه كالموضوع، ولا نجزم بأنه موضوع، ولكن كونه متهماً بالكذب، ينزل حديثه إلى درجة تقرُب من الوضع.                                                                                                
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .

دروس البيقونية ( 23 )

تقديم الشيخ : محمد ولد المصطفى الأنصاري
الدرس الثالث والعشرون من شرح كتاب البيقونية في مصطلح الحديث .                                
القسم الثامن والعشرون الحديث المؤتلف والمختلف.
قال المؤلف رحمه الله:
مُؤتَلفٌ مُتَّفقُ الخطِ فَقَطْ ... وضِدُّهُ مختَلِفٌ فاخْشَ الغَلِطْ
الشرح :
المؤتلف والمختلف هو: الذي اتفق خطًّا ولكنه اختلف لفظاً، مثل: عباس وعياش، وخياط وحباط، وما أشبه ذلك.
يعني أن اللفظ في تركيب الكلمة واحد، لكن تختلف في النطق، فهذا يسمى مؤتلفاً مختلفاً.
* وسُمي مؤتلفاً لإتلافه خطًّا، وسُمي مختلفاً لاختلافه نطقاً، وهو أيضاً في نفس الوقت مفترق لاختلافه عيناً وذاتاً. فالأشخاص متعددون في المتفق والمفترق، والمؤتلف والمختلف، ولكن الكلام على الأسماء إن كانت مختلفة فسمِّه مؤتلفاً مختلفاً، وإن كانت متفقة فسمِّه متفقاً مفترقاً، وهذا اصطلاح، واصطلاح المحدثين أمرٌ لا يُنازَعون عليه، لأنه يقال: لا مشاحة في الاصطلاح.
 إذا ما هي الفائدة من معرفة هذا القسم من أقسام الحديث؟
نقول: الفائدة لئلا يشتبه الأشخاص، فمثلاً: إذا كان عندنا عشرة رجال كلهم يُسمَّون ب-"عباس" فلابد أن نعرف من هو عباس، لأنه قد يكون أحدهم ضعيفاً:
إما لسوء حفظه. وإما لنقص في عدالته، وإما لغير ذلك.
فلابد أن نعرف من عباس هذا، لأجل أن نعرف هل هو مقبول الرواية، أو غير مقبول الرواية، وهذا الباب قد ألَّف فيه كثير من العلماء وتكلموا فيه، وعلى رأسهم الحافظ ابن حجر - رحمه الله - : فإذا قال قائل: بأي طريق نميز هذا من هذا؟
فنقول: أما المؤتلف والمختلف فتمييزه يسير؛ لأنه مختلف في النطق، ولا يكون فيه اشتباه في الواقع، إلا إذا سلكنا طريق المتقدمين في عدم الإعجام.
 والإعجام هو: عدم تنقيط الحروف.
فمثلاً: عند المتقدمين كانت كلمة "عباس - وعيَّاش" واحدة لأنها كانت لا تُشكل ولا تُنقط، أما عند المتأخرين فإن الباب يقلُّ فيه الاشتباه، لأنهم يُعجمون الكلمات.
أما المتفق والمفترق فهو صعب، حتى في زمن المتأخرين، لأن تعيين المراد تحتاج إلى بحث دقيق في معرفة الشخص بعينه، ووصفه تماماً.
 فصار إذاً فائدة معرفة هذا الباب هو: تعيين الراوي، للحكم عليه بقبول روايته أو بردّها، والمرجع في ذلك الكتب المؤلفة في هذا الباب، ومما يُعين على تعيين الرجل معرفة شيوخه الذين يروي عنهم، وكذلك معرفة طلابه، الذين يروون عنه.
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .

دروس البيقونية ( 22 )

تقديم الشيخ : محمد ولد المصطفى الأنصاري
الدرس الثاني والعشرون من شرح كتاب البيقونية في مصطلح الحديث .                                
القسم السابع والعشرون الحديث  المتفق والمفترق            
قال المؤلف رحمه الله:  
مُتَّفِقٌ لَفْظاً وَخَطاً مُتَّفِقْ ... وضِدُّهُ فِيمَا ذَكَرْنَا المُفْتَرِقْ .
الشرح:
المتفق والمفترق. وهما في الحقيقة قسم واحد، خلافاً لما يظهر من كلام المؤلف رحمه الله - حيث جعلهما قسمين وهذا القسم يتعلق بالرواة، وهو ما إذا وجدنا اسمين متفقين لفظاً وخطًّا، لكنهما مفترقان ذاتاً أي أن الاسم واحد والمسمى اثنان فأكثر. وهذا العلم نحتاج إليه لئلا يقع الاشتباه، فمثلاً: كلمة عباس اسم لرجل مقبول الرواية، وهو اسم لرجل آخر غير مقبول الرواية، فهذا يسمى المتفق والمفترق. فإذا رأينا مثلاً أن الحافظ يقول: حدثني عباس وهو أحد شيوخه، وهو ثقة، ثم يقول مرة أخرى حدثني عباس وهو أيضاً من شيوخه ولكنه ليس بثقة، ثم يأتي هذا الحديث ولا ندري أي العباسين هو، فيبقى الحديث عندنا مشكوكاً في صحته، ويسمَّى عند أهل الفن بالمتفق والمفترق. ووجه التسمية ظاهر: وهو الاتفاق بحسب اللفظ والخط، والافتراق بحسب المسمى.  والعلم بهذا أمر ضروري، لأنهما إذا اختلفا في التوثيق صار الحديث محل توقف، حتى يتبين من هذا، فإن كان كل منهما ثقة، وقد لاقى كل منهما المحدِّث فإنه لا يضر لأن الحديث سيبقى صحيحاً. فالمتفق والمفترق يتعلق بالرواة لا بالمتون، وإذا كان يتعلق بالرواة فإنه يُنظر إذا كان هذا المتفق والمفترق كل منهما ثقة، فإنه لا يضر، وإذا كان أحدهما ثقة والآخر ضعيفاً فإنه حينئذ محل توقف، ولا يحكم بصحة الحديث، ولا ضعفه حتى يتبين الافتراق والاتفاق.
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .

دروس البيقونية ( 21 )

تقديم الشيخ : محمد ولد المصطفى الأنصاري
الدرس الواحد والعشرون من شرح كتاب البيقونية في مصطلح الحديث .                                      القسم السادس والعشرون الحديث المدبج                                                                                        
قال المؤلف رحمه الله  :
ومَا رَوى كُلُّ قَرِينٍ عَنْ أَخِهْ ... مُدّبَّجٌ فَأَعْرِفْهُ حَقًّا وانْتَخهْ .
الشرح:
كل حديث يرويه  القرينان كل منهما عن الآخر فهو المدبج ، بخلاف رواية الأقران فإن أحدهما يروي عن الآخر فقط بدون تبادل للتحديث ، والقرين هو: المصاحب لمن روى عنه، الموافِق له في السن، أو في الأخذ عن الشيخ. فإذا قيل: فلان قرينٌ لفلان، أي مشاركٌ له، إما في السن، أو في الأخذ عن الشيخ الذي رويا عنه، مثل: أن يكون حضورهما للشيخ متقارباً مثلاً في سنةٍ واحدة، وما أشبه ذلك. فالأقران إذا روى أحدهم عن الآخر، فإن ذلك يسمى عند المحدثين رواية الأقران، ولهذا تجد في كتب الرجال أنهم يقولون: وروايته عن فلان من رواية الأقران، أي أنه اشترك معه في السنّ، أو في الأخذ عن الشيخ، فإن روى كل منهما عن الآخر فهو "مُدبَّج".
فمثلاً: أنا رويتُ عن قريني حديث "إنما الأعمال بالنيات" وهو روى عني حديث "لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ" فهذا يكون مُدَبَّجاً، أو يروي عني نفس الحديث الذي رويته أنا، وأكون أنا قد رويته عنه من طريق، وهو رواه عني من طرق آخر، فهذا يسمى أيضاً مُدَبَّجاً.
* وما وجه كونه مُدَبَّجاً؟
قالوا: إنه مأخوذ من ديباجة الوجه، أي جانب الوجه، لأن كل قرين يلتفت إلى صاحبه ليحدثه فيلتفت إليه صاحبه ليحدثه، فيكون قد قابله بديباجة وجهه، وبالطبع فإن هذا الاشتقاق اصطلاحي، وإلا لقلنا إن كل حديث بين اثنين يتجه فيه أحدهما إلى الآخر فإنه يسمى مدبَّجاً، لكن علماء المصطلح خصوه، ولا مشاحة في الاصطلاح.
* ورواية المدبج هو: أن يروي كل قرين عن قرينه، إما حديثاً واحداً، أو أكثر من حديث.
* والفرق بينهما أن المدبَّج يُحدِّث كل منهما عن الآخر.
أما الأقران فأحدهما يحدث عن الآخر فقط بدون أن يحدث عنه صاحبه.
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .

دروس البيقونية ( 20 )

تقديم الشيخ : محمد ولد المصطفى الأنصاري
الدرس العشرون من شرح كتاب البيقونية في مصطلح الحديث .                                
القسم الخامس والعشرون الحديث: المدرج ،
قال المؤلف رحمه الله:                                                                                                                 والُمدرَجَاتُ فِي الحديثِ مَا أَتَتْ ... مِنْ بَعْض أَلْفَاظِ الرُّوَاةِ اتَّصَلَتْ
الشرح:
الحديث المدرج هو: ما أدخله أحد الرواة في الحديث بدون بيان، ولهذا سُمي مدرجاً، لأنه أُدرج في الحديث دون أن يبين الحديث من هذا المدرج، فالمدرج إذاً ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلّم، ولكنه من كلام الرواة، ويأتي به الراوي أحياناً، إما تفسيراً لكلمة في الحديث، أو لغير ذلك من الأسباب.
ويكون الإدراج أحياناً: في أول الحديث. وأحياناً يكون في وسطه. وأحياناً يكون في آخره.
مثاله في أول الحديث: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: "أسبغوا الوضوء، ويلٌ للأعقاب من النار" فالمرفوع هو قوله: "ويل للأعقاب من النار"  وأما قوله "أسبغوا الوضوء" فهو من كلام أبي هريرة - رضي الله عنه - والذي يقرأ الحديث يظن أن الكل، هو من كلام النبي صلى الله عليه وسلّم لأنه لم يُبين ذلك.
* ويعرف الإدراج بأمور:
1 - بالنص، حيث يأتي من طريق آخر ويُبين أنه مدرج.
2 باستحالة أن يكون النبي صلى الله عليه وسلّم قد قاله، وذلك لظهور خطأ فيه، أو قرينة تدل على أنه لا يمكن أن يكون من كلام النبي صلى الله عليه وسلّم.
3 - بنص من أحد الحفَّاظ الأئمة يبين فيه أن هذا مدرج.
* ما هو حكم الإدراج؟
نقول: إن كان يتغير المعنى بالإدراج فإنه لا يجوز إلا ببيانه.
وإن كان لا يتغير به المعنى مثل: حديث الزهري "والتحنُّث التعبُّد" فإنه لا بأس به، وذلك لأنه لا يعارض الحديث المرفوع، وإذا كان لا يعارضه فلا مانع من أن يُذكر على سبيل التفسير والإيضاح. وإذا تبين الإدراج فإنه لا يكون حجة، لأنه ليس من قول النبي صلى الله عليه وسلّم فلا يحتج به. وقوله "من بعض ألفاظ الرواة اتصلت" فكلمة "اتصلت" جملة حالية من فاعل أتت، يعني ما أتت متصلة في الحديث بدون بيان.
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .

دروس البيقونية ( 19 )

تقديم الشيخ : محمد ولد المصطفى الأنصاري
الدرس التاسع عشر من شرح كتاب البيقونية في مصطلح الحديث  
القسم الثالث والعشرون الحديث  المعل والقسم الرابع والعشرون الحديث المضطرب                                                                                      
قال المؤلف رحمه الله:                                                                                                                            ومَا بعِلَّةٍ غُمُوضٍ أَوْ خَفَا ... مُعَلَّلٌ عِنْدَهُمُ قَدْ عُرِفَا
الشرح:
يقال: "الحديث المعلل"، ويُقال: "الحديث الُمعَلّ"، ويقال الحديث المعلول، كل هذه الاصطلاحات لعلماء الحديث ولا شك أن أقربها للصواب من حيث اللغة هو "الُمعَلُّ"،
فنقول: المعلُّ هو الحديث الذي يكون ظاهره الصحة، ولكنه بعد البحث عنه يتبين أن فيه علة قادحة، لكنها خفية. مثال ذلك: أن يُروى الحديث على أنه مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلّم باتصال السند، ويكون هذا هو المعروف المتداول عند المحدثين، ثم يأتي أحدُ الحفاظ ويقول هذا الحديث فيه علة قادحة وهي أن الحفاظ رووه منقطعاً، فتكون فيه علة ضعف، وهي الانقطاع، بينما المعروف بين الناس أن الحديث متصلٌ.
قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله - في شرح النخبة: وهذا القسم
من أغمض أنواع الحديث، لأنه لا يطَّلع عليه إلا أهل العلم النقاد الذين يبحثون الأحاديث بأسانيدها ومتونها. وابن حجر يقول دائماً في بلوغ المرام: أُعلَّ بالإرسال، أو أُعلَّ بالوقف، وهكذا. فإذا قال ذلك فارجع إلى السند وانظر فيه من رواه؟
ولهذا اشترطوا في الصحيح أن يكون سالماً من الشذوذ والعلة القادحة، والمعلُّ من أقسام علم المصطلح وهو مهمٌّ جداً لطالب علم الحديث حيث إن معرفته تفيده فائدة كبيرة؛ لأنه قد يقرأ حديثاً ظاهره الصحة، وهو غير صحيح.                                                               وأما الحديث المضطرب                                                                                       قال المؤلف رحمه الله:                                                                              وذُو اخْتِلافِ سَنَدٍ أَوْ مَتْنِ ... مُضْطَرِبٌ عِنْدَ أُهَيْلِ الْفَنِّ
الشرح :
 الاضطراب معناه في اللغة: الاختلاف.
والمضطرب في الاصطلاح: هو الذي اختلف الرواة في سنده، أو متنه، على وجه لا يمكن فيه الجمع ولا الترجيح. فالاختلاف في السند مثل: أن يرويه بعضهم متصلاً، وبعضهم يرويه منقطعاً. والاختلاف في المتن مثل: أن يرويه بعضهم على أنه مرفوع، وبعضهم على أنه موقوف، أو يرويه على وجه يخالف الآخر بدون ترجيح، ولا جمع. فإن أمكن الجمع فلا اضطراب.
وإن أمكن الترجيح أخذنا بالراجح ولا اضطراب.
وإذا كان الاختلاف لا يعود لأصل المعنى فلا اضطراب أيضاً.
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً .

دروس البيقونية ( 18 )

تقديم الشيخ : محمد ولد المصطفى الأنصاري
الدرس الثامن عشر من شرح كتاب البيقونية في مصطلح الحديث  
القسم الثاني والعشرون الحديث  الفرد
قال المؤلف رحمه الله:
   والفَردُ مَا قَيَّدْتَهُ بِثِقةِ ... أَوْ جَمْعٍ أوْ قَصْرٍ عَلَى روايةِ
الشرح:
الحديث الفرد هو : أن ينفرد الراوي بالحديث، يعني أن يروي الحديث رجلٌ فرد وهو ما قيد بهذه الأوصاف التالية.                                                           :                                                                            1 - ما قُيد بثقة.
2 - ما قُيد بجمع.
3 - ما قُيد برواية.
والغالب على الأفراد الضعف، لكن بعضها صحيح متلقى بالقبول، لكن الغالب على الأفراد أنها ضعيفة، لاسيما فيما بعد القرون الثلاثة، لأنه بعد القرون الثلاثة، كثر الرواة فتجد الشيخ الواحد عنده ستمائة راوي. فإذا انفرد عنه راوٍ واحد دون غيره فإن هذا يوجب الشك، فكيف يخفى هذا الحديث على هذا العدد الكثير، ولا يرويه إلا واحد فقط. لكن في عهد الصحابة تكثر الفردية، وكذلك في عهد التابعين لكنها أقل من عهد الصحابة، لانتشار التابعين وكثرتهم، وفي عهد تابع التابعين تكثر الفردية لكنها أقل من عهد التابعين.
إذاً فالفردُ من قبيل الضعيف غالباً.
وأنواعه ثلاثة وهي:
1 - ما قُيِّدَ بثقة، أي ما انفرد به ثقة، ولم يروه غيره، لكنه لا يخالف غيره، مثل حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى" فقد حصل الإفراد فيه، في ثلاث طبقات من رواته، ومع ذلك فهو صحيح، لأنه انفرد به الثقة عن الثقة عن الثقة، فهذا يُسمى فرداً، ويسمى غريباً.
2 - ما قُيدَ بجمعٍ، ومراده بالجمع أهل البلد، أو أهل القرية، أو القبيلة أو ما أشبه ذلك، فإذا انفرد بهذا الحديث عن أهل هذا البلد شخص واحد، بمعنى أن يقال: تفرد فلان برواية هذا الحديث عن الشاميين، أو تفرد فلان برواية هذا الحديث عن الحجازيين، أو ما أشبه ذلك، فهنا فردٌ لكنه ليس فرداً مطلقاً، بل هو في بلد معين، وقد انفرد به من بين المحدثين من أهل هذا البلد.
فمثلاً إذا قدَّرنا أن المحدثين في الشام ألف محدث، فروى هذا الحديث منهم واحد، ولم يروه سواه. فنقول: هذا فرد لكن هل هو فرد مطلقاً؟
بل فرد نسبي، أي: بالنسبة لأهل الشام.
وللفرد المقيد بالجمع معنى آخر وهو: أن ينفرد به أهل بلد ما، بروايته عن فلان، فيقال: تفرد به أهل الشام عن فلان.
3 - وقوله "أو قصر على رواية".
القصر على الرواية هي أن يقال مثلاً: لم يروِ هذا الحديث بهذا المعنى إلا فلان، يعني أن هذا الحديث بهذا المعنى لم يروه إلا شخص واحد عن فلان، فتجد أن القصر في الرواية فقط، وإلا فالحديث من طرق أخرى مشهور، وطرقه كثيرة.
وإنما قسَّم المؤلف الفرد إلى هذا التقسيم: ليبين أن الفرد قد يكون فرداً نسبيًّا، وقد يكون فرداً مطلقاً، فإذا كان هذا الحديث لم يُروَ إلا من طريق واحد بالنسبة لأهل الشام، أو أي بلد فهو فردٌ نسبي. وكذلك بالنسبة للشيخ فلو قال: تفرَّد به فلان عن هذا الشيخ فإنه يُسمى فرداً نسبيًّا، والفرد النسبي غرابته نسبية، والفرد المطلق غرابته مطلقة، والفرد النسبي أقرب إلى الصحة، لأنه قد يكون فرداً بالنسبة لهؤلاء، ولكنه بالنسبة إلى غيرهم مشهور أو عزيز، أي مروي بعدة طرق.
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا

دروس البيقونية ( 17 )

تقديم الشيخ : محمد ولد المصطفى الأنصاري
الدرس السابع عشر من شرح كتاب البيقونية في مصطلح الحديث  
القسم الواحد والعشرون الحديث المقلوب  
قال المؤلف رحمه الله:
وما يخالف ثِقَةٌ بِهِ الَملأ ... فالشاذُّ والَمقْلُوبُ قِسْمَانِ تَلا
إبْدَالُ رَاوٍ مَا بِرَاوٍ قِسْمُ ... وَقَلْبُ إسْنَادٍ لمَتْنٍ قِسْمُ
الشرح:
الحديث المقلوبُ ينقسم إلى قسمين :
القسم الأول: وهو ما ذكره المؤلف بقوله "إبدال راوٍ ما براوٍ قسمُ" وهو ما يُسمَّى بقلب الإسناد. مثلاً: إذا قال: حدثني يوسف عن يعقوب، فيقلبُ الإسناد ويقول: حدثني يعقوب عن يوسف، وهذا أكثر ما يقعُ خطأ، إما لنسيان أو غيره، لأنه لا توجد فائدة في تعمد ذلك.
فإذا قال قائل ما الذي أعلمنا أن الإسناد مقلوب فقد يكون على الوضع الصحيح؟
فنقول: نعلم أنه مقلوب، إذا جاء من طريق آخر أوثق على خلاف ما هو عليه، أو جاء من نفس الراوي الذي قَلَبَهُ في حال شبابه وحفظه، يكون قد ضبطه وحدَّث به على الوضع الصحيح، وفي حال كِبَره ونسيانه، يحدِّثُ بالحديث ويقلب إسناده، ففي هذه الحالة نعرف أن الأول هو الصحيح، والثاني هو المقلوب.
مثاله: إذا روى هذا الحديث بهذا الإسناد الصحيح رجلان،
أحدهما أوثق من الآخر، فيأتي الذي ليس بأوثق من صاحبه ويقلب الإسناد، بأن يجعل التلميذ شيخاً والشيخ تلميذاً، فإننا نحكم في هذا الحديث بأنه مقلوب عليه لأنه قلب السند.
ومثال آخر: هذا الحديث حدَّث به هذا الرجل في حال شبابه وحفظه على وجه، وحدَّث به بعد شيخوخته ونسيانه على وجهٍ آخر، فإننا نحكم على الثاني أنه مقلوب، وربما نطَّلع أيضاً على هذا من طريق آخر بحيث أننا نعرف أن الذي جعله تلميذاً هو الشيخ، لأنه تقدم في عصره بمعرفة التاريخ. والمقلوب من قسم الضعيف، لأنه يدل على عدم ضبط الراوي.
القسم الثاني: وهو ما ذكره المؤلف بقوله "وقلب إسناد لمتن قسم" يعني أن يُقلب إسناد المتن لمتن آخر. مثاله: رجل روى حديثاً: من طريق زيد، عن عمرو، عن خالد، وحديثاً آخر: من طريق بكر، عن سعد، عن حاتم، فجعل الإسناد الثاني للحديث الأول، وجعل الإسناد الأول للحديث الثاني، فهذا يُسمَّى قلب إسناد المتن، والغالب أنه يقعُ عمداً للاختبار، أي لأجل أن يُختبر المحدِّث.
كما صنع أهل بغداد مع البخاري، وذلك لما علموا أنه قادم عليهم، اجتمعوا من العراق وما حوله وقالوا: نريد أن نختبر هذا الرجل، فوضعوا له مائة حديث ووضعوا لكل حديث إسناداً غير إسناده، وقلبوا الأسانيد ليختبروا البخاري - رحمه الله - وقالوا: كل واحد منكم عنده عشرة أحاديث يسأله عنها، ووضعوا عشرة رجال حفاظ أقوياء، فلما جاء البخاري - رحمه الله - واجتمع الناس، بدأوا يسوقون الأسانيد كلها حتى انتهوا منها، وكانوا كلما ساقوا إسناداً
ومعه المتن قال البخاري: لا أعرفه، حتى أتموها كلها، فالعامة من الناس قالوا: هذا الرجل لا يعرف شيئاً، يُعرض عليه مائة حديث وهو يقول: لا أعرفه، يعني لا أعرف هذا السند لهذا الحديث، ثم قام - رحمه الله - بعد ذلك وساق كل حديث بإسناده الصحيح، حتى انتهى من المائة كلها، فعرفوا أن الرجل آية من آيات الله في الحفظ، فأقرُّوا وأذعنوا له.
فهذا يسمى قلب إسناد المتن يعني أن تركب إسناد متن على متن آخر، والغالب أنه لا يقع إلا للاختبار، وقد يقع غشًّا، بحيث يريد الرجل أن يُروِّج الحديث لكنْ يكون إسناده ساقطاً يعني كلهم ضعفاء مثلاً، فيأتي بإسناد حديث صحيح ويُركبه عليه، فهو نوع من التدليس، لكنه بطريق آخر.
وهناك قسم آخر وهو قلب المتن: وهذا الذي يعتني به الفقهاء، وأما قلب الإسناد فيعتني به المحدثون، لأنهم ينظرون إلى السند هل هو صحيح؟ وهل يصح به الحديث أم لا.
وأما الفقهاء فيعتنون بقلب المتن، لأنه هو الذي يتغيُّر به الحكم، حيث إن هؤلاء ينظرون إلى الدلالة.
وقلب المتن يحصل من بعض الرواة تنقلب عليهم المتون فيروون بعض الأحاديث على غير وجهها.
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً

دروس البيقونية ( 16 )

تقديم الشيخ : محمد ولد المصطفى الأنصاري
الدرس السادس عشر من شرح كتاب البيقونية في مصطلح الحديث  
القسم العشرون الحديث الشاذ
قال المؤلف رحمه الله:
ومَا يَخالفْ ثقَةٌ فيه الَملأ ... فالشاذُّ والَمقْلُوبُ قسْمَان تَلا
الشرح :
الشاذ مأخوذ من الشذوذ، وهو الخروج عن القاعدة أو الخروج عن ما عليه الناس، وفي الحديث: "عليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار" يعني من خرج عنهم، فالشاذُّ هو الذي يخالف فيه الثقة الملأ "أي الجماعة"، ومعلوم أن الجماعة أقرب إلى الصواب من الواحد وأرجح، ولهذا يمكن أن نقول: إن المؤلف رحمه الله قال: "ما يخالف ثقة فيه الملأ" على سبيل المثال، وأن المراد بالقاعدة أن الشاذ هو: ما خالف فيه الثقة من هو أرجح منه عدداً، أو عدالة، أو ضبطاً.
والمؤلف ذكر القسم الأول وهو: العدد لأن الملأ جماعة، وقد يقال: إن الملأ هم أشراف القوم كما قال الله تعالى: {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ} [الأعراف: 88] . ومعلوم أن الأشراف في علم الحديث هم الحفاظ العدول، فيكون كلامه شاملاً من هو أرجح عدداً، أو عدالة، أو حفظاً.
مثال العدد: روى جماعة عن شيخهم حديثاً، ثم انفرد أحدهم برواية تخالف الجماعة وهو ثقة.
فتعتبر هذه الرواية شاذة، لأنه خالف من هو أرجح منه، باعتبار العدد.
إذاً عرفنا ما هو الشاذ، وما هو الذي يقابله، وهناك مخالفة أخرى لم يذكرها المؤلف وهي: إذا كان المخالف غير ثقة فإن حديثه يسمى منكراً.
والمنكر هو: ما خالف فيه الضعيف الثقة، وهو أسوأ من الشاذ، لأن المنكر المخالفة مع الضعف، والشاذ المخالفة فيه مع الثقة.
ويقابل المنكر المعروف، إذاً فهي أربعة أقسام:
1 - المحفوظ.
2 - الشاذ.
3 - المنكر.
4 - المعروف.
فالشاذ هو: ما رواه الثقة مخالفاً لمن هو أرجح منه.
والمنكر هو: ما رواه الضعيف مخالفاً للثقة.
والمحفوظ هو: ما رواه الأرجح مخالفاً لثقة دونه، وهو مقابل للشاذ.
والمعروف هو: ما رواه الثقة مخالفاً للضعيف.
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .