الدرس التاسع من شرح كتاب الأخضري رحمه الله
تقديم الشيخ : محمد ولد المصطفى الأنصاري
آداب إسـلامـية قال المؤلف رحمه الله :
هَمْزٌ وَلَمْزٌ عَبَثٌ سُخْرِيَةْ زِنىً وَأَنْ يَنظُرَ أَجْنَبِيَةْ الهمز واللمز تعريفها ، والفرق بينهما : الهمَّاز : العَيَّاب ، و الهَمْزُ هو الغمز و الوقيعة في الناس وذكر عيوبهم ،واللمَّاز : هو العَيَّاب أيضاً ، حيث قيل أنهما بمعنى واحد ، والفرق بين الهمز واللمز : الهمز هو الذي يعيبك بوجهك ، واللمز الذي يعيبك بالغيب ، و قيل اللمز ما يكون باللسان والعين والإشارة ، و الهمز لا يكون إلا بلسان ، اللمز بالقول وغيره ، والهمز بالقول . قَالَ تَعَالَى (ويل لكل همزَة لُمزَة) ، وقال :( وَلَا تلمزوا أَنفسكُم وَلَا تنابزوا بِالْأَلْقَابِ ) ، وقال: {هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ } ، قال ابن جريج: الهمز بالعين والشدق واليد ، واللمز باللسان قال البيهقي وبلغني عن الليث أنه قال اللمز الذي يعيبك في وجهك ، والهمز الذي يعيبك بالغيب ، قال مجاهد : ويل لكل همزة لمزة الهمزة الطعان في الناس واللمز الذي يأكل لحوم الناس ، قال ابن كثير رحمه الله: « الهماز بالقول واللماز بالفعل يعني يزدري الناس وينتقص بهم. قال ابن عباس رضي الله عنه : همزه لمزه: طعان معياب، وقال: الربيع بن أنس: الهمزة يهمزه في وجهه، واللمزة من خلفه . وقال مجاهد: الهمز باليدين والعين واللمز باللسان . تفسير القرآن العظيم لابن كثير / 8 / 481 . الهمز واللّمز كلاهما من صور الغيبة المحرّمة التي نهى عنها الشارع قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" الغيبة ذكرك أخاك بما يكره قيل أَرَأَيْت إِن كَانَ فِي أخي مَا أَقُول قَالَ إِن كَانَ فِيهِ مَا تَقول فقد اغتبته وَإِن لم يكن فِيهِ فقد بَهته " رواه مسلم وأبو داود ، وقَالَ : "يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَدْخُلِ الْإِيمَانُ قَلْبَهُ لَا تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ فَإِنَّهُ مَنْ يَتَّبِعْ عَوْرَاتِهِمْ يَتَّبِعْ اللَّهُ عَوْرَتَهُ وَمَنْ يَتَّبِعِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ فِي بَيْتِهِ". رواه أحمد وأبو داود وصححه الألباني . وقال : «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت» متفق عليه وقال : وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو قال: على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم؟! "، رواه الترمذي وصححه الألباني . العبث تعريفه : عَبِثَ به، بالكسر، عَبَثاً: لَعِبَ، فهو عابِثٌ: لاعِبٌ بما لا يَعْنيه، والعَبَثُ أَن تَعْبَثَ بالشيءِ. ورجلٌ عِبِّيثٌ: عابِثٌ ، والعَبَثُ اللَّعِبُ. قال الله عز وجل: أَفَحَسِبْتم أَنما خلقناكم عَبَثاً؟ قال الأَزهري: نَصَبَ عَبَثاً لأَنه مفعول له، بمعنى خلقناكم للعَبَث ، أَضَاعَ الْكَثِيرَ مِنَ الْوَقْتِ عَبَثاً ": هَدَرًا ، أَيْ لَمْ يَسْتَفِدْ مِنْهُ شَيْئاً . قال الله تعالى : {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ} فَإِنَّهُ نَزَّهَ نَفْسَهُ عَنْ خَلْقِ الْخَلْقِ عَبَثًا، وَأَنْكَرَ عَلَى مَنْ حَسِبَ ذَلِكَ، العبث أي اللعب فإن الإنسان خلق للعبادة ولم يخلق لللعب واللهو قال الله تعالى : ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) ، وروى أبو داود وغيره حديثاً ضعيفا ( كل لهو يلهوا المؤمن باطل إلا ثلاثة : ملاعبة الرجل أهله وتأديب فرسه ورميه بقوسه . السخرية تعريفها لغةً: يقال: سَخِرَ منه وبه سَخْرًا وسَخَرًا ومَسْخَرًا وسُخْرًا بالضم وسُخْرَةً وسِخْرِيًّا وسُخْرِيًّا وسُخْرِيَّة: هزئ به، والاسم السخرية والسُّخري ، واصطلاحًا: السخرية الاستهانة والتحقير، والتنبيه على العيوب والنقائص، على وجه يضحك منه، وقد يكون ذلك بالمحاكاة في القول والفعل، وقد يكون بالإشارة والإيماء . قال الله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ } ، وقال عليه الصلاة والسلام : " بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ" . رواه مسلم . الزنى تعريفه أنّه وطء وقع على غير نكاح صحيح ولا شبه نكاح ولا ملك يمين. وهو محرم بإجماع الأمة ومن كبائر الذنوب : قال الله تعالى: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً} ، وَقَالَ {الزَّانِيَة وَالزَّانِي فاجلدوا كل وَاحِد مِنْهُمَا مائَة جلدَة وَلَا تأخذكم بهما رأفة فِي دين الله} ، وقال : {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا } ، وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "قلت: يا رسول الله أي الذنب أعظم عند الله؟ قال: أن تجعل الله ندًا وهو خلقك. قلت: ثم أي؟ قال: أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك. قلت: ثم أي قال: أن تزاني حليلة جارك. ثم تلا رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم : {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً} متفق عليه ، وقَالَ عليه الصلاة والسلام : «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالتَّارِكُ لِدِينِه الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَة» متفق عليه. وقال عليه الصلاة والسلام: "ما تركتُ بعدي فتنةً أَضَرَّ على الرِّجال من النساء". متفق عليه النظر للأجنبية محرم إلا لضرورة شرعية كالخاطب والطبيب والشهود ونحو ذلك
قال الله تعالى {قل للْمُؤْمِنين يغضوا من أَبْصَارهم} ، وقال : وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} ، فمتى غض بصره في البداية سلم مما يصعب أمره في النهاية . وقال عليه الصلاة والسلام : (إن الله عز وجل كتب على ابن آدم حظه من الزنا، أدرك ذلك لا محالة، وزنا العينين النظر، وزنا اللسان النطق والنفس تمنى، وتشتهى، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه) متفق عليه ، وعن جرير قال: سألت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن نظرة الفجأة، فأمرني أن أصرف بصري. رواه مسلم في صحيحه ، وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ: «يَا عَلَيُّ لَا تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ فَإِنَّ لَكَ الْأُولَى وَلَيْسَتْ لك الآخرة» .رواه أحمد وأبو داود وصححه الألباني ، ومادة الفضول مادة ضارة ولذلك ينبغي الحذر منها والحرص على إمْسَاك فضول النّظر وَالْكَلَام وَالطَّعَام ومخالطة النَّاس فَإِن الشَّيْطَان إِنَّمَا يتسلط على ابْن آدم من هَذِه الْأَبْوَاب الْأَرْبَعَة ، ومن فوائد غض البصر أن من غض بصره أعطاه الله ثلاث فوائد جليلة : إحداها حلاوة الإيمان ولذته التي هي أحلى وأطيب ما تركه لله فإن من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه ، وأما الفائدة الثانية في غض البصر فهو أنه يورث نور القلب والفراسة قال تعالى عن قوم لوط : لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون فالتعلق في الصور يوجب فساد العقل وعمى البصيرة وسكر القلب بل جنونه ، وذكر سبحانه آية النور عقيب آيات غض البصر فقال الله نور السماوات والأرض مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ» أي مثل نوره في قلب عبده المؤمن الذي امتثل أوامره واجتنب نواهيه ، وكان شاه بن شجاع الكرماني لا تخطئ له فراسة وكان يقول من عمر ظاهره باتباع السنة وباطنه بدوام المراقبة وغض بصره عن المحارم وكف نفسه عن الشهوات وذكر خصلة خامسة وهي أكل الحلال لم تخطئ له فراسة والله تعالى يجزئ العبد على عمله بما هو من جنس عمله فغض بصره عما حرم يعوضه الله عليه من جنسه بما هو خير منه فيطلق نور بصيرته ويفتح عليه باب العلم والمعرفة والكشوف ونحو ذلك مما ينال بصيرة القلب .
والفائدة الثالثة قوة القلب وثباته وشجاعته فيجعل الله له سلطان النصرة مع سلطان الحجة وفي الأثر الذي يخالف هواه يفرق الشيطان من ظله ولهذا يوجد في المتبع لهواه من الذل ذل النفس وضعفها ومهانتها ما جعله الله لمن عصاه فإن الله جعل العزة لمن أطاعه والذلة لمن عصاه قال تعالى : يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ، وقال تعالى : ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ، ولهذا كان في كلام الشيوخ الناس يطلبون العز من أبواب الملوك ولا يجدونه إلا في طاعة الله وكان الحسن البصري يقول وإن هملجت بهم البراذين وطقطقت بهم البغال فإن ذل المعصية في رقابهم يأبى الله إلا أن يذل من عصاه ومن أطاع الله فقد والاه فيما أطاعه فيه ومن عصاه ففيه قسط من فعل من عاداه بمعاصيه وفي دعاء القنوت إنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت .
اللهم إننا نسألك الهدى والتُّقى والعفاف والغِنَى ، اللَّهُمَّ إِنِّنا نسأَلك مُوجبَات رحمتك وعزائم مغفرتك وَالْغنيمَة من كل بر، والسلامة من كل إِثْم اللهم لا تدع لنا ذَنبا إِلَّا غفرته، وَلَا هما إِلَّا فرجته؛ وَلَا حَاجَة هِيَ لَك رضَا إِلَّا قضيتها ويسرتها ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .
تقديم الشيخ : محمد ولد المصطفى الأنصاري
آداب إسـلامـية قال المؤلف رحمه الله :
هَمْزٌ وَلَمْزٌ عَبَثٌ سُخْرِيَةْ زِنىً وَأَنْ يَنظُرَ أَجْنَبِيَةْ الهمز واللمز تعريفها ، والفرق بينهما : الهمَّاز : العَيَّاب ، و الهَمْزُ هو الغمز و الوقيعة في الناس وذكر عيوبهم ،واللمَّاز : هو العَيَّاب أيضاً ، حيث قيل أنهما بمعنى واحد ، والفرق بين الهمز واللمز : الهمز هو الذي يعيبك بوجهك ، واللمز الذي يعيبك بالغيب ، و قيل اللمز ما يكون باللسان والعين والإشارة ، و الهمز لا يكون إلا بلسان ، اللمز بالقول وغيره ، والهمز بالقول . قَالَ تَعَالَى (ويل لكل همزَة لُمزَة) ، وقال :( وَلَا تلمزوا أَنفسكُم وَلَا تنابزوا بِالْأَلْقَابِ ) ، وقال: {هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ } ، قال ابن جريج: الهمز بالعين والشدق واليد ، واللمز باللسان قال البيهقي وبلغني عن الليث أنه قال اللمز الذي يعيبك في وجهك ، والهمز الذي يعيبك بالغيب ، قال مجاهد : ويل لكل همزة لمزة الهمزة الطعان في الناس واللمز الذي يأكل لحوم الناس ، قال ابن كثير رحمه الله: « الهماز بالقول واللماز بالفعل يعني يزدري الناس وينتقص بهم. قال ابن عباس رضي الله عنه : همزه لمزه: طعان معياب، وقال: الربيع بن أنس: الهمزة يهمزه في وجهه، واللمزة من خلفه . وقال مجاهد: الهمز باليدين والعين واللمز باللسان . تفسير القرآن العظيم لابن كثير / 8 / 481 . الهمز واللّمز كلاهما من صور الغيبة المحرّمة التي نهى عنها الشارع قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" الغيبة ذكرك أخاك بما يكره قيل أَرَأَيْت إِن كَانَ فِي أخي مَا أَقُول قَالَ إِن كَانَ فِيهِ مَا تَقول فقد اغتبته وَإِن لم يكن فِيهِ فقد بَهته " رواه مسلم وأبو داود ، وقَالَ : "يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَدْخُلِ الْإِيمَانُ قَلْبَهُ لَا تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ فَإِنَّهُ مَنْ يَتَّبِعْ عَوْرَاتِهِمْ يَتَّبِعْ اللَّهُ عَوْرَتَهُ وَمَنْ يَتَّبِعِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ فِي بَيْتِهِ". رواه أحمد وأبو داود وصححه الألباني . وقال : «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت» متفق عليه وقال : وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو قال: على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم؟! "، رواه الترمذي وصححه الألباني . العبث تعريفه : عَبِثَ به، بالكسر، عَبَثاً: لَعِبَ، فهو عابِثٌ: لاعِبٌ بما لا يَعْنيه، والعَبَثُ أَن تَعْبَثَ بالشيءِ. ورجلٌ عِبِّيثٌ: عابِثٌ ، والعَبَثُ اللَّعِبُ. قال الله عز وجل: أَفَحَسِبْتم أَنما خلقناكم عَبَثاً؟ قال الأَزهري: نَصَبَ عَبَثاً لأَنه مفعول له، بمعنى خلقناكم للعَبَث ، أَضَاعَ الْكَثِيرَ مِنَ الْوَقْتِ عَبَثاً ": هَدَرًا ، أَيْ لَمْ يَسْتَفِدْ مِنْهُ شَيْئاً . قال الله تعالى : {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ} فَإِنَّهُ نَزَّهَ نَفْسَهُ عَنْ خَلْقِ الْخَلْقِ عَبَثًا، وَأَنْكَرَ عَلَى مَنْ حَسِبَ ذَلِكَ، العبث أي اللعب فإن الإنسان خلق للعبادة ولم يخلق لللعب واللهو قال الله تعالى : ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) ، وروى أبو داود وغيره حديثاً ضعيفا ( كل لهو يلهوا المؤمن باطل إلا ثلاثة : ملاعبة الرجل أهله وتأديب فرسه ورميه بقوسه . السخرية تعريفها لغةً: يقال: سَخِرَ منه وبه سَخْرًا وسَخَرًا ومَسْخَرًا وسُخْرًا بالضم وسُخْرَةً وسِخْرِيًّا وسُخْرِيًّا وسُخْرِيَّة: هزئ به، والاسم السخرية والسُّخري ، واصطلاحًا: السخرية الاستهانة والتحقير، والتنبيه على العيوب والنقائص، على وجه يضحك منه، وقد يكون ذلك بالمحاكاة في القول والفعل، وقد يكون بالإشارة والإيماء . قال الله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ } ، وقال عليه الصلاة والسلام : " بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ" . رواه مسلم . الزنى تعريفه أنّه وطء وقع على غير نكاح صحيح ولا شبه نكاح ولا ملك يمين. وهو محرم بإجماع الأمة ومن كبائر الذنوب : قال الله تعالى: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً} ، وَقَالَ {الزَّانِيَة وَالزَّانِي فاجلدوا كل وَاحِد مِنْهُمَا مائَة جلدَة وَلَا تأخذكم بهما رأفة فِي دين الله} ، وقال : {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا } ، وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "قلت: يا رسول الله أي الذنب أعظم عند الله؟ قال: أن تجعل الله ندًا وهو خلقك. قلت: ثم أي؟ قال: أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك. قلت: ثم أي قال: أن تزاني حليلة جارك. ثم تلا رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم : {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً} متفق عليه ، وقَالَ عليه الصلاة والسلام : «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالتَّارِكُ لِدِينِه الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَة» متفق عليه. وقال عليه الصلاة والسلام: "ما تركتُ بعدي فتنةً أَضَرَّ على الرِّجال من النساء". متفق عليه النظر للأجنبية محرم إلا لضرورة شرعية كالخاطب والطبيب والشهود ونحو ذلك
قال الله تعالى {قل للْمُؤْمِنين يغضوا من أَبْصَارهم} ، وقال : وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} ، فمتى غض بصره في البداية سلم مما يصعب أمره في النهاية . وقال عليه الصلاة والسلام : (إن الله عز وجل كتب على ابن آدم حظه من الزنا، أدرك ذلك لا محالة، وزنا العينين النظر، وزنا اللسان النطق والنفس تمنى، وتشتهى، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه) متفق عليه ، وعن جرير قال: سألت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن نظرة الفجأة، فأمرني أن أصرف بصري. رواه مسلم في صحيحه ، وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ: «يَا عَلَيُّ لَا تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ فَإِنَّ لَكَ الْأُولَى وَلَيْسَتْ لك الآخرة» .رواه أحمد وأبو داود وصححه الألباني ، ومادة الفضول مادة ضارة ولذلك ينبغي الحذر منها والحرص على إمْسَاك فضول النّظر وَالْكَلَام وَالطَّعَام ومخالطة النَّاس فَإِن الشَّيْطَان إِنَّمَا يتسلط على ابْن آدم من هَذِه الْأَبْوَاب الْأَرْبَعَة ، ومن فوائد غض البصر أن من غض بصره أعطاه الله ثلاث فوائد جليلة : إحداها حلاوة الإيمان ولذته التي هي أحلى وأطيب ما تركه لله فإن من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه ، وأما الفائدة الثانية في غض البصر فهو أنه يورث نور القلب والفراسة قال تعالى عن قوم لوط : لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون فالتعلق في الصور يوجب فساد العقل وعمى البصيرة وسكر القلب بل جنونه ، وذكر سبحانه آية النور عقيب آيات غض البصر فقال الله نور السماوات والأرض مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ» أي مثل نوره في قلب عبده المؤمن الذي امتثل أوامره واجتنب نواهيه ، وكان شاه بن شجاع الكرماني لا تخطئ له فراسة وكان يقول من عمر ظاهره باتباع السنة وباطنه بدوام المراقبة وغض بصره عن المحارم وكف نفسه عن الشهوات وذكر خصلة خامسة وهي أكل الحلال لم تخطئ له فراسة والله تعالى يجزئ العبد على عمله بما هو من جنس عمله فغض بصره عما حرم يعوضه الله عليه من جنسه بما هو خير منه فيطلق نور بصيرته ويفتح عليه باب العلم والمعرفة والكشوف ونحو ذلك مما ينال بصيرة القلب .
والفائدة الثالثة قوة القلب وثباته وشجاعته فيجعل الله له سلطان النصرة مع سلطان الحجة وفي الأثر الذي يخالف هواه يفرق الشيطان من ظله ولهذا يوجد في المتبع لهواه من الذل ذل النفس وضعفها ومهانتها ما جعله الله لمن عصاه فإن الله جعل العزة لمن أطاعه والذلة لمن عصاه قال تعالى : يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ، وقال تعالى : ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ، ولهذا كان في كلام الشيوخ الناس يطلبون العز من أبواب الملوك ولا يجدونه إلا في طاعة الله وكان الحسن البصري يقول وإن هملجت بهم البراذين وطقطقت بهم البغال فإن ذل المعصية في رقابهم يأبى الله إلا أن يذل من عصاه ومن أطاع الله فقد والاه فيما أطاعه فيه ومن عصاه ففيه قسط من فعل من عاداه بمعاصيه وفي دعاء القنوت إنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت .
اللهم إننا نسألك الهدى والتُّقى والعفاف والغِنَى ، اللَّهُمَّ إِنِّنا نسأَلك مُوجبَات رحمتك وعزائم مغفرتك وَالْغنيمَة من كل بر، والسلامة من كل إِثْم اللهم لا تدع لنا ذَنبا إِلَّا غفرته، وَلَا هما إِلَّا فرجته؛ وَلَا حَاجَة هِيَ لَك رضَا إِلَّا قضيتها ويسرتها ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق