الدرس الأربعون من شرح كتاب الأخضري رحمه الله
تقديم الشيخ : محمد ولد المصطفى الأنصاري
قال المؤلف رحمه الله:
قـضاء الـفـوائت
وَوَاجِبٌ قَضَاءُ مَا فِي الذِّمَّةِ ** وَحَرَّمَ التَّفْرِيطَ فِيهِ الأُمَّةِ وَمَنْ قَضَى فِي الْيَوْمِ مَا لَمْ يَفْرُطِ ** بِهِ عَلَى الْمَطْلُوبِ لَمْ يَفَرَّطِ بِنَحْوِ مَا تَفُوتُ كَانَتْ فِي حَضَرْ ** أَوْ سَفَرٍ وَقْتُ الأَدَاءِ الْمُعْتَبَرْ وَرَتَّبَ الْحَاضِرَتَيْنِ مَنْ وَعَا ** وَبَيْنَ أَرْبَعِ فَوَائِتٍ مَعاً حَاضِرَةٍ وَإِنْ تَفُتْ باِلذِّكْرِ ** فَرْضاً وَذِي الأَرْبَعُ أَعْلَى النَّزْرِ فَقَبْلَ حَاضِرَتِهِ تُصَلِّى ** ثُمَّ الْقَضَا فِي كُلِّ وَقْتٍ حَلاَّ .
الشرح:
يجب قضاء ما في الذمة من الصلوات ولا يجوز التفريط فيها، قال الله تعالى : (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} ، وقَالَ عليه الصلاة والسلام :"مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ:وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي" . متفق عليه . قال النووي رحمه الله : قَوْلُهُ :" مَنْ نَسِيَ صَلَاةً فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا فِيهِ وُجُوبُ قَضَاءِ الْفَرِيضَةِ الْفَائِتَةِ سَوَاءٌ تَرَكَهَا بِعُذْرٍ كنوم ونسيان أم بِغَيْرِ عُذْرٍ وَإِنَّمَا قَيَّدَ فِي الْحَدِيثِ بِالنِّسْيَانِ لِخُرُوجِهِ عَلَى سَبَبٍ لِأَنَّهُ إِذَا وَجَبَ الْقَضَاءُ عَلَى الْمَعْذُورِ فَغَيْرُهُ أَوْلَى بِالْوُجُوبِ وَهُوَ مِنْ بَابِ التَّنْبِيهِ بِالْأَدْنَى عَلَى الْأَعْلَى . شرح النووي على مسلم 5/ 183. ، قال ابن قدامة رحمه الله : إِنَّا لَا نَعْلَمُ فِي عَصْرٍ مِنْ الْأَعْصَارِ أَحَدًا مِنْ تَارِكِي الصَّلَاةِ تُرِكَ تَغْسِيلُهُ، وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ، وَدَفْنُهُ فِي مَقَابِر الْمُسْلِمِينَ، وَلَا مُنِعَ وَرَثَتُهُ مِيرَاثَهُ، وَلَا مُنِعَ هُوَ مِيرَاثَ مُوَرِّثِهِ، وَلَا فُرِّقَ بَيْنَ زَوْجَيْنِ لِتَرْكِ الصَّلَاةِ مِنْ أَحَدِهِمَا؛ مَعَ كَثْرَةِ تَارِكِي الصَّلَاةِ، وَلَوْ كَانَ كَافِرًا لَثَبَتَتْ هَذِهِ الْأَحْكَامُ كُلُّهَا، وَلَا نَعْلَمُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ خِلَافًا فِي أَنَّ تَارِكَ الصَّلَاةِ يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا، وَلَوْ كَانَ مُرْتَدًّا لَمْ يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ صَلَاةٍ وَلَا صِيَامٍ " المغني لابن قدامة 2/332. ، قال أبو عمر ابن عبد البر رحمه الله : " مراد الله من عباده الصلاة فمن لم يصلها في وقتها فإنه يقضيها أبداً متى ما ذكرها ناسياً كان لها أو نائماً عنها أو متعمداً لتركها فإن قيل فلم خص النائم والناسي بالذكر في قوله في هذا الحديث من نام عن الصلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها قيل خص النائم والناسي ليرتفع التوهم والظن فيهما لرفع القلم في سقوط المأثم عنهما بالنوم والنسيان فأبان رسول الله صلى الله عليه وسلم أن سقوط الإثم عنهما غير مسقط لما لزمهما من فرض الصلاة وأنها واجبة عليهما عند الذكر لها يقضيها كل واحد منهما بعد خروج وقتها إذا ذكرها ولم يحتج إلى ذكر العامد معهما لأن العلة المتوهمة في الناسي والنائم ليست فيه ولا عذر له في ترك فرض قد وجب عليه من صلاته إذا كان ذاكراً له وسوى الله تعالى في حكمه على لسان نبيه بين حكم والصلاة الموقوتة والصيام الموقوت في شهر رمضان بأن كل واحد منهما يقضى بعد خروج وقته فنص على النائم والناسي في الصلاة لما وصفنا ونص على المريض والمسافر في الصوم وأجمعت الأمة ونقلت الكافة فيمن لم يصم رمضان عامداً وهو مؤمن بفرضه وإنما تركه أشراً وبطراً تعمد ذلك ثم تاب عنه أن عليه قضاءه فكذلك من ترك الصلاة عامداً فالعامد والناسي في القضاء للصلاة والصيام سواء وإن اختلفا في الإثم .. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم دين الله أحق أن يقضى وإذا كان النائم والناسي للصلاة وهما معذوران يقضيانها بعد خروج وقتها كان المتعمد لتركها المأثوم في فعله ذلك أولى بأن لا يسقط عنه فرض الصلاة وأن يحكم عليه بالإتيان بها لأن التوبة من عصيانه في تعمد تركها هي أداؤها وإقامة تركها مع الندم على ما سلف من تركه لها في وقتها . الاستذكار لابن عبد البر 1 / 76 – 78 . وذهب أهل الظاهري وابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهم الله على أنه ليس على من ترك الصلاة متعمداً متكاسلاً قضاء وهم محجوجون بإجماع الأمة قبلهم على وجوب القضاء مطلقاً حتى أحمد بن حنبل القائل بتكفير تارك الصلاة في رواية وإسحاق وابن حبيب من المالكية لم يقولوا بعدم قضاء الصلاة لمن تركها متعمداً . قال ابن عبد البر رحمه الله : وقد شذ بعض أهل الظاهر وأقدم على خلاف جمهور علماء المسلمين وسبيل المؤمنين فقال ليس على المتعمد لترك الصلاة في وقتها أن يأتي بها في غير وقتها لأنه غير نائم ولا ناس وإنما قال رسول الله من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها قال والمتعمد غير الناسي والنائم قال وقياسه عليهما غير جائز عندنا كما أن من قتل الصيد ناسيا لا يجزئه عندنا فخالفه في المسألة جمهور العلماء وظن أنه يستتر في ذلك برواية جاءت عن بعض التابعين شذ فيها عن جماعة المسلمين وهو محجوج بهم مأمور باتباعهم فخالف هذا الظاهر عن طريق النظر والاعتبار وشذ عن جماعة علماء الأمصار ولم يأت فيما ذهب إليه من ذلك بدليل يصح في العقول ومن الدليل على أن الصلاة تصلي وتقضى بعد خروج وقتها كالصائم سواء وإن كان إجماع الأمة الذين أمر من شذ منهم بالرجوع إليهم وترك الخروج عن سبيلهم يغني عن الدليل في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر ومن أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح ولم يخص متعمدا من ناس ونقلت الكافة عنه عليه الصلاة السلام أن من أدرك ركعة من صلاة العصر قبل الغروب صلى تمام صلاته بعد الغروب وذلك بعد خروج الوقت عند الجميع ولا فرق بين عمل صلاة العصر كلها لمن تعمد أو نسي أو فرط وبين عمل بعضها في نظر ولا اعتبار ودليل آخر وهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يصل هو ولا أصحابه يوم الخندق صلاة الظهر والعصر حتى غربت الشمس لشغله بما نصبه المشركون له من الحرب ولم يكن يومئذ ناسياً ولا نائما ولا كانت بين المسلمين والمشركين يومئذ حرب قائمة ملتحمة وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر في الليل. الاستذكار لابن عبد البر 1 / 76 – 78 . قال النووي رحمه الله : لم يزل المسلمون يورثون تارك الصلاة ويورثون عنه ولو كان كافراً لم يغفر له ولم يرث ولم يورث وأما الجواب عما احتج به من كفره من حديث جابر وبريدة ورواية شقيق فهو أن كل ذلك محمول على أنه شارك الكافر في بعض أحكامه وهو وجوب القتل وهذا التأويل متعين للجمع بين نصوص الشرع وقواعده التي ذكرناها وأما قياسهم فمتروك بالنصوص التي ذكرناها والجواب عما احتج به أبو حنيفة أنه عام مخصوص بما ذكرناه وقياسهم لا يقبل مع النصوص " . المجموع للنووي 3 / 17- 19. قال ابن عبد البر رحمه الله :" نَّمَا يَكْفُرُ بِالصَّلَاةِ مَنْ جَحَدَهَا وَاسْتَكْبَرَ عَنْ أَدَائِهَا والآثار المروية في تكفير تارك الصلاة معناها من ترك الصلاة جاحداً لها معانداً مستكبراً غير مقر بفرضها . التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد 4/ 241 ، ومن صلى كل يوم صلاة خمسة أيام فليس بمفرط ، ولاشك أن المكلف إن لم يفعل ما وجب عليه في الوقت الذي حدده له الشارع صارت ذمته مشغولة بما كلف به، وبراءة الذمة واجبة، وحينئذ فيجب على من رتب في ذمته شيء من الصلوات المفروضة أن يقضيه على الفور وإلا كان آثما بالتأخير، والذي يخرجه عن عهدة التأخير وينظمه في سلك الامتثال أن يفعل ما في قدرته، بأن يشغل الأوقات الخالية عن أشغاله الضرورية بقضاء ما في ذمته، أو يأتي في كل يوم بقضاء خمسة أيام، فأي الأمرين يخرجه عن التفريط وينفي عنه الإثم والتقصير. ، ويقضيها على نحو ما فاتته، إن كانت حضرية قضاها حضرية، وإن كان سفرية قضاها سفرية، سواء كان حين القضاء في حضر أو في سفر ، لأن المعتبر في قضاء الصلاة وقت الفوات، فلو فاتته في الحضر قضاها حضرية ولو كان وقت القضاء متلبساً بالسفر بأن كان مسافرا، ولو فاتته في السفر قضاها سفرية ولو كان وقت القضاء حاضراً . والترتيب بين الحاضرتين وهما الظهران والعشاءان واجب بأن كان الوقت يسعهما ولا يكونان حاضرتين إلا إذا وسعهما الوقت أما إذا ضاق الوقت بحيث لا يسع إلا الأخيرة اختص بها فتصبح الأولى حكمها حكم يسير الفوائت تقدم للحاضرة ، والترتيب بين الحاضرة ويسير الفوائت واجب ، ويسير الفوائت هو خمس صلوات فأقل تقدم على الصلاة الحاضرة وإن خرج وقتها فإن خالف وقدم الحاضرة صحت مع الإثم في العمد دون النسيان. وما ذكرنا من تقدم اليسير على الحاضرة وإن ضاق وقت الحاضرة هو المشهور، وقال ابن وهب إنه يبدأ بالحاضرة. ويجوز القضاء في كل وقت من ليل ونهار، وعند طلوع الشمس وعند غروبها، حيث تحقق تركها أو ظنه، وأما المشكوك في تركها وعدمه على السواء فيجب قضاؤها حتى تبرأ الذمة ، الذمة لا تبرأ إلا مع اليقين، فالظن لا يكفي في براءة الذمة بل لابد من الأحتياط في إبراء الذمة . وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .
تقديم الشيخ : محمد ولد المصطفى الأنصاري
قال المؤلف رحمه الله:
قـضاء الـفـوائت
وَوَاجِبٌ قَضَاءُ مَا فِي الذِّمَّةِ ** وَحَرَّمَ التَّفْرِيطَ فِيهِ الأُمَّةِ وَمَنْ قَضَى فِي الْيَوْمِ مَا لَمْ يَفْرُطِ ** بِهِ عَلَى الْمَطْلُوبِ لَمْ يَفَرَّطِ بِنَحْوِ مَا تَفُوتُ كَانَتْ فِي حَضَرْ ** أَوْ سَفَرٍ وَقْتُ الأَدَاءِ الْمُعْتَبَرْ وَرَتَّبَ الْحَاضِرَتَيْنِ مَنْ وَعَا ** وَبَيْنَ أَرْبَعِ فَوَائِتٍ مَعاً حَاضِرَةٍ وَإِنْ تَفُتْ باِلذِّكْرِ ** فَرْضاً وَذِي الأَرْبَعُ أَعْلَى النَّزْرِ فَقَبْلَ حَاضِرَتِهِ تُصَلِّى ** ثُمَّ الْقَضَا فِي كُلِّ وَقْتٍ حَلاَّ .
الشرح:
يجب قضاء ما في الذمة من الصلوات ولا يجوز التفريط فيها، قال الله تعالى : (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} ، وقَالَ عليه الصلاة والسلام :"مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ:وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي" . متفق عليه . قال النووي رحمه الله : قَوْلُهُ :" مَنْ نَسِيَ صَلَاةً فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا فِيهِ وُجُوبُ قَضَاءِ الْفَرِيضَةِ الْفَائِتَةِ سَوَاءٌ تَرَكَهَا بِعُذْرٍ كنوم ونسيان أم بِغَيْرِ عُذْرٍ وَإِنَّمَا قَيَّدَ فِي الْحَدِيثِ بِالنِّسْيَانِ لِخُرُوجِهِ عَلَى سَبَبٍ لِأَنَّهُ إِذَا وَجَبَ الْقَضَاءُ عَلَى الْمَعْذُورِ فَغَيْرُهُ أَوْلَى بِالْوُجُوبِ وَهُوَ مِنْ بَابِ التَّنْبِيهِ بِالْأَدْنَى عَلَى الْأَعْلَى . شرح النووي على مسلم 5/ 183. ، قال ابن قدامة رحمه الله : إِنَّا لَا نَعْلَمُ فِي عَصْرٍ مِنْ الْأَعْصَارِ أَحَدًا مِنْ تَارِكِي الصَّلَاةِ تُرِكَ تَغْسِيلُهُ، وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ، وَدَفْنُهُ فِي مَقَابِر الْمُسْلِمِينَ، وَلَا مُنِعَ وَرَثَتُهُ مِيرَاثَهُ، وَلَا مُنِعَ هُوَ مِيرَاثَ مُوَرِّثِهِ، وَلَا فُرِّقَ بَيْنَ زَوْجَيْنِ لِتَرْكِ الصَّلَاةِ مِنْ أَحَدِهِمَا؛ مَعَ كَثْرَةِ تَارِكِي الصَّلَاةِ، وَلَوْ كَانَ كَافِرًا لَثَبَتَتْ هَذِهِ الْأَحْكَامُ كُلُّهَا، وَلَا نَعْلَمُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ خِلَافًا فِي أَنَّ تَارِكَ الصَّلَاةِ يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا، وَلَوْ كَانَ مُرْتَدًّا لَمْ يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ صَلَاةٍ وَلَا صِيَامٍ " المغني لابن قدامة 2/332. ، قال أبو عمر ابن عبد البر رحمه الله : " مراد الله من عباده الصلاة فمن لم يصلها في وقتها فإنه يقضيها أبداً متى ما ذكرها ناسياً كان لها أو نائماً عنها أو متعمداً لتركها فإن قيل فلم خص النائم والناسي بالذكر في قوله في هذا الحديث من نام عن الصلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها قيل خص النائم والناسي ليرتفع التوهم والظن فيهما لرفع القلم في سقوط المأثم عنهما بالنوم والنسيان فأبان رسول الله صلى الله عليه وسلم أن سقوط الإثم عنهما غير مسقط لما لزمهما من فرض الصلاة وأنها واجبة عليهما عند الذكر لها يقضيها كل واحد منهما بعد خروج وقتها إذا ذكرها ولم يحتج إلى ذكر العامد معهما لأن العلة المتوهمة في الناسي والنائم ليست فيه ولا عذر له في ترك فرض قد وجب عليه من صلاته إذا كان ذاكراً له وسوى الله تعالى في حكمه على لسان نبيه بين حكم والصلاة الموقوتة والصيام الموقوت في شهر رمضان بأن كل واحد منهما يقضى بعد خروج وقته فنص على النائم والناسي في الصلاة لما وصفنا ونص على المريض والمسافر في الصوم وأجمعت الأمة ونقلت الكافة فيمن لم يصم رمضان عامداً وهو مؤمن بفرضه وإنما تركه أشراً وبطراً تعمد ذلك ثم تاب عنه أن عليه قضاءه فكذلك من ترك الصلاة عامداً فالعامد والناسي في القضاء للصلاة والصيام سواء وإن اختلفا في الإثم .. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم دين الله أحق أن يقضى وإذا كان النائم والناسي للصلاة وهما معذوران يقضيانها بعد خروج وقتها كان المتعمد لتركها المأثوم في فعله ذلك أولى بأن لا يسقط عنه فرض الصلاة وأن يحكم عليه بالإتيان بها لأن التوبة من عصيانه في تعمد تركها هي أداؤها وإقامة تركها مع الندم على ما سلف من تركه لها في وقتها . الاستذكار لابن عبد البر 1 / 76 – 78 . وذهب أهل الظاهري وابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهم الله على أنه ليس على من ترك الصلاة متعمداً متكاسلاً قضاء وهم محجوجون بإجماع الأمة قبلهم على وجوب القضاء مطلقاً حتى أحمد بن حنبل القائل بتكفير تارك الصلاة في رواية وإسحاق وابن حبيب من المالكية لم يقولوا بعدم قضاء الصلاة لمن تركها متعمداً . قال ابن عبد البر رحمه الله : وقد شذ بعض أهل الظاهر وأقدم على خلاف جمهور علماء المسلمين وسبيل المؤمنين فقال ليس على المتعمد لترك الصلاة في وقتها أن يأتي بها في غير وقتها لأنه غير نائم ولا ناس وإنما قال رسول الله من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها قال والمتعمد غير الناسي والنائم قال وقياسه عليهما غير جائز عندنا كما أن من قتل الصيد ناسيا لا يجزئه عندنا فخالفه في المسألة جمهور العلماء وظن أنه يستتر في ذلك برواية جاءت عن بعض التابعين شذ فيها عن جماعة المسلمين وهو محجوج بهم مأمور باتباعهم فخالف هذا الظاهر عن طريق النظر والاعتبار وشذ عن جماعة علماء الأمصار ولم يأت فيما ذهب إليه من ذلك بدليل يصح في العقول ومن الدليل على أن الصلاة تصلي وتقضى بعد خروج وقتها كالصائم سواء وإن كان إجماع الأمة الذين أمر من شذ منهم بالرجوع إليهم وترك الخروج عن سبيلهم يغني عن الدليل في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر ومن أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح ولم يخص متعمدا من ناس ونقلت الكافة عنه عليه الصلاة السلام أن من أدرك ركعة من صلاة العصر قبل الغروب صلى تمام صلاته بعد الغروب وذلك بعد خروج الوقت عند الجميع ولا فرق بين عمل صلاة العصر كلها لمن تعمد أو نسي أو فرط وبين عمل بعضها في نظر ولا اعتبار ودليل آخر وهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يصل هو ولا أصحابه يوم الخندق صلاة الظهر والعصر حتى غربت الشمس لشغله بما نصبه المشركون له من الحرب ولم يكن يومئذ ناسياً ولا نائما ولا كانت بين المسلمين والمشركين يومئذ حرب قائمة ملتحمة وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر في الليل. الاستذكار لابن عبد البر 1 / 76 – 78 . قال النووي رحمه الله : لم يزل المسلمون يورثون تارك الصلاة ويورثون عنه ولو كان كافراً لم يغفر له ولم يرث ولم يورث وأما الجواب عما احتج به من كفره من حديث جابر وبريدة ورواية شقيق فهو أن كل ذلك محمول على أنه شارك الكافر في بعض أحكامه وهو وجوب القتل وهذا التأويل متعين للجمع بين نصوص الشرع وقواعده التي ذكرناها وأما قياسهم فمتروك بالنصوص التي ذكرناها والجواب عما احتج به أبو حنيفة أنه عام مخصوص بما ذكرناه وقياسهم لا يقبل مع النصوص " . المجموع للنووي 3 / 17- 19. قال ابن عبد البر رحمه الله :" نَّمَا يَكْفُرُ بِالصَّلَاةِ مَنْ جَحَدَهَا وَاسْتَكْبَرَ عَنْ أَدَائِهَا والآثار المروية في تكفير تارك الصلاة معناها من ترك الصلاة جاحداً لها معانداً مستكبراً غير مقر بفرضها . التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد 4/ 241 ، ومن صلى كل يوم صلاة خمسة أيام فليس بمفرط ، ولاشك أن المكلف إن لم يفعل ما وجب عليه في الوقت الذي حدده له الشارع صارت ذمته مشغولة بما كلف به، وبراءة الذمة واجبة، وحينئذ فيجب على من رتب في ذمته شيء من الصلوات المفروضة أن يقضيه على الفور وإلا كان آثما بالتأخير، والذي يخرجه عن عهدة التأخير وينظمه في سلك الامتثال أن يفعل ما في قدرته، بأن يشغل الأوقات الخالية عن أشغاله الضرورية بقضاء ما في ذمته، أو يأتي في كل يوم بقضاء خمسة أيام، فأي الأمرين يخرجه عن التفريط وينفي عنه الإثم والتقصير. ، ويقضيها على نحو ما فاتته، إن كانت حضرية قضاها حضرية، وإن كان سفرية قضاها سفرية، سواء كان حين القضاء في حضر أو في سفر ، لأن المعتبر في قضاء الصلاة وقت الفوات، فلو فاتته في الحضر قضاها حضرية ولو كان وقت القضاء متلبساً بالسفر بأن كان مسافرا، ولو فاتته في السفر قضاها سفرية ولو كان وقت القضاء حاضراً . والترتيب بين الحاضرتين وهما الظهران والعشاءان واجب بأن كان الوقت يسعهما ولا يكونان حاضرتين إلا إذا وسعهما الوقت أما إذا ضاق الوقت بحيث لا يسع إلا الأخيرة اختص بها فتصبح الأولى حكمها حكم يسير الفوائت تقدم للحاضرة ، والترتيب بين الحاضرة ويسير الفوائت واجب ، ويسير الفوائت هو خمس صلوات فأقل تقدم على الصلاة الحاضرة وإن خرج وقتها فإن خالف وقدم الحاضرة صحت مع الإثم في العمد دون النسيان. وما ذكرنا من تقدم اليسير على الحاضرة وإن ضاق وقت الحاضرة هو المشهور، وقال ابن وهب إنه يبدأ بالحاضرة. ويجوز القضاء في كل وقت من ليل ونهار، وعند طلوع الشمس وعند غروبها، حيث تحقق تركها أو ظنه، وأما المشكوك في تركها وعدمه على السواء فيجب قضاؤها حتى تبرأ الذمة ، الذمة لا تبرأ إلا مع اليقين، فالظن لا يكفي في براءة الذمة بل لابد من الأحتياط في إبراء الذمة . وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق