السبت، 24 فبراير 2018

دروس الأخضري ( 38 )

الدرس الثامن والثلاثون من شرح كتاب الأخضري رحمه الله  
 تقديم الشيخ : محمد ولد المصطفى الأنصاري
  قال المؤلف رحمه الله:
باب الخـشوع في الـصلاة
فصل وَلِلصَّلاَةِ نُورٌ عَظُمَا **  بِهِ يُنِيرُ كُلُّ قَلْبٍ أَسْلَمَا.                                                                             وَإِنَّمَا يَنَالُهُ مَنْ خَشَعَا  **  فَإِنْ أَتَيْتَ لِلصَّلاَةِ فَاخْضَعَا                                
  وَفَرِّغِ الْقَلْبَ مِنَ الدُّنَا تَصِلْ   **  وَبِمُرَاقَبَةِ مَوْلاَكَ اشْتَغِلْ                                                                       ذَاكَ الذِي لِوَجْهِهِ تُصَلِّ   **  وَاعْتَقِدَ أَنَّهَا لَهُ تَذَلّ                                                                                           بِفِعْلِهَا مُعَظِّماً مُجِلاَّ   ** بِقَوْلِهَا وَحَافِظْ أَنْ تُخِلاَّ                                                                                              بِنَقْصٍ أَوْ وَّسْوَسَةٍ مَا كَانَا ** أَعْظَمَهَا لاَ تَتْرُكِ الشَّيْطَانَا.                                                                                      يَلْعَب بِقَلْبِكَ إِلَى أَنْ يُظْلِمَا  ** قَلْباً  وَلَذَّةَ الصَّلاةِ تُحْرَمَا                                                                          فَدَاوِمِ  الْخُشُوعَ فِيهَا تَخْشَى  ** لِنَهْيِهَا عَن مُّنْكَرِ وَفَحْشَا                                                             وَلْتَسْتَعِنِ فِي ذَاكَ بِالرَّحْمَنِ   ** فَالْمُسْتَعَانُ خَيْرُ مُسْتَعَانِ .
الشرح:
  الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد فإن الصلاة هي عماد الدين ، والركن الثاني من أركانه بعد الشهادتين ، والمحافظة عليها واجبة قال تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} . وقال : {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ}، وهي من مكفرات الذنوب ،  فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله  صلى الله عليه وسلم قال : أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شيء قالوا لا يبقى من درنه شيء قال فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا  متفق عليه ، وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل الصلوات الخمس كمثل نهر جار غمر على باب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات . رواه مسلم .
والصلاة هي الصلة التي بين العبد وربه ولهذا كانت أعظم أركان الدين بعد الشهادتين، وقد اشتملت على الثناء   على الله بما لا يوجد في غيرها من العبادات  للصلاة نور عظيم تشرق به قلوب المصلين ولا يناله إلا الخاشعون وأصل الخشوع: هو لين القلب ورقته وسكونه وخضوعه وانكساره وحُرْقته، فإذا خشع القلب تبعه خشوع جميع الجوارح ، لأنها تابعة له قال عليه الصلاة والسلام : ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب . متفق عليه من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه ، والخشوع يتضمن معنيين: أحدهما: التواضع والذل. والثاني: السكون والطمأنينة وعن ابن عباس رضي الله عنه في قوله: {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} قال: مخبتون أذلاء. وعن أبى الدرداء رضي الله عنه قال الخشوع هو إخلاص المقال وإعظام المقام واليقين التام وجمع الاهتمام ، وعن الحسن البصري وقتادة: في قوله خاشعون : خائفون. وعن مقاتل: متواضعون. وعن علِيّ رضي الله عنه قال : الخشوع في القلب، وأن تلِين للمرء المسلم كنفك، ولا تلتفت يميناً ولا شمالاً. وقال مجاهد: الخشوع : غَضُّ البصر وخَفْض الْجنَاح . وَمما يعين على الخشوع : التَّدَبُّرُ فِيمَا يَجْرِي عَلَى لِسَانِهِ من القراءة والذكر واستحضار القلب قال عليه الصلاة والسلام : " إذا قمت إلى صلاتك فصل صلاة مودع ولا تتكلم بكلام تعتذر منه غدا واجمع الإياس مما في أيدي الناس " رواه أحمد وابن ماجه وغيرهما من حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه وصححه الألباني ، وفي لفظ : " صل صلاة رجل لا يظن أنه يصلي غيرها وإياك وكل أمر يعتذر منه " رواه الديلمي في مسنده وصححه الألباني ، وفي لفظ : " صل صلاة مودع كأنك تراه فإن كنت لا تراه فإنه يراك وآيس مما في أيدي الناس تعش غنياً وإياك وما يعتذر منه " رواه الطبراني والبيهقي والضياء المقدسي من حديث ابن عمر رضي الله عنه وصححه الألباني . قال عليه الصلاة والسلام : " قَالَ اللهُ تَعَالَى: قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} قَالَ اللهُ تَعَالَى: حَمِدَنِي عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} قَالَ اللهُ تَعَالَى: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}، قَالَ: مَجَّدَنِي عَبْدِي ، وإِذَا قَالَ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} قَالَ: هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}  قَالَ: هَذَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ " رواه مسلم .   والخشوع في الصلاة من صفات المؤمنين المفلحين ، ومن صفات الذين أعد الله لهم مغفرة وأجراً عظيماً ومن صفات العلماء : قال الله تعالى :" قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِى صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ " وقال : {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِـرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا   وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} . وقال : { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء }
 والبكاء من خشية الله عز وجل سر بين العبد وربه وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي وفي صدره " أزيز كأزيز الرحى من البكاء : فعن مطرف عن أبيه رضي الله عنه قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم  يصلي وفي صدره " أزيز كأزيز الرحى من البكاء " وفي لفظ قال : " أتيت النبي صلى الله عليه وسلم  وهو قائم يصلي ولصدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء " رواه أبو داود والنسائي والترمذي وصححه الألباني ، ورغب في فعله سراً فقال في السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله وذكر منهم :" رجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه " متفق عليه . قال النووي رحمه الله : " قوله صلى الله عليه وسلم ورجل ذكر الله تعالى خاليا ففاضت عيناه فيه فضيلة البكاء من خشية الله تعالى وفضل طاعة السر لكمال الإخلاص فيها " . فإذا أتيت إلى الصلاة ففرغ قلبك من الدنيا وما فيها، واشتغل بمراقبة مولاك الذي تصلي لوجهه، فإن الصلاة هي خشوع وتواضع لله سبحانه بالقيام والركوع والسجود، وإجلال وتعظيم له بالتكبير والتسبيح والذكر فإذا تلبست بأعمال الصلاة من الركوع والسجود فأت بها على وجه يليق بالذي أنت واقف بين يديه، بأن لا يكون توجهك إلا إليه، وفكرك مقصور عليه، عالماً بأنه رقيب عليك، ومطلع على حركاتك وسكونك فعلى المصلي أن يجاهد نفسه بأن لا تحرم من هذه الخصلة العظيمة وهي الخشوع في الصلاة ولايترك الشيطان يلعب بقلبه ويشغله عن صلاته ويحرمه من ذلك فعليه بدوام الخشوع فيها، فإنها تنهى عن الفحشاء والمنكر فاستعن بالله إنه خير مستعان ، فعلى المسلم أن يتعوذ بالله من الشيطان حينما يشعر بوسوسة منه، قال تعالى: {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} ، وليعلم أن الشيطان يحاول أن يوقعه في الشرك بالله، وهى أكبر جريمة يرتكبها الإنسان في حق الله، فإن لم يستطع أن يوقعه في الشرك أوقعه في كبائر الذنوب، والبدع، فإن لم يستطع حاول أن يوقعه في صغائر الذنوب، فهو لا يمل أبدًا من إضلال الإنسان، قال تعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}. فالحصن المنيع من الشيطان الرجيم هو ذكر الله عز وجل ومراقبته ومصابرة القلب بمداومة الذكر، قال الله تعالى لنبيه: { وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها } فإذا اصطبر عليها بمداومة الذكر وحضور القلب وخشوع الجوارح تلاشت الخواطر الشيطانية ولا يكون للشيطان عليه سلطان، وتتحقق بالعبودية وينتظم في سلك : { إن عبادي ليس عليك عليهم سلطان } وكانت صلاته مما تنهاه { إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر }. وتفكير المصلي في أمور الدنيا في الصلاة من الشيطان لأجل يفسد على المسلم صلاته ويصد قلبه عن ذكر الله وعن الصلاة ولذلك يجب على المسلمُ أن يعلم أنه في معركة مستمرة ٍمع الشياطين وأعوانهم من شياطين الإنس والجن، الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون ولا يطيعون الله عز وجل ، والمسلمُ يعرف أعداءه جيدًا، وأول عدو يجب أن يحترس منه هو الشيطان، قال تعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} ، وقال: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} ، وقال الله سبحانه وتعالى : عن إضلاله للأمم السابقة: {وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ} وقال تعالى: {وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ} ، والشيطان يلازم الإنسان في كل حركاته وسكناته، فكلَّما همَّ بطاعة الله صرفه عنها وكلما ابتعد عن معصية الله قَرَّبَهُ منها، فهو يكره أن يرى الإنسان في طاعة لله عز وجل،ويوسوس للإنسان في صلاته ودعائه وقراءة القرآن، بل وفي كل طاعة قَالَ عليه الصلاة والسلام  " إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ، وَلَهُ ضُرَاطٌ، حَتَّى لاَ يَسْمَعَ التَّأْذِينَ، فَإِذَا قَضَى النِّدَاءَ أَقْبَلَ، حَتَّى إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلاَةِ أَدْبَرَ، حَتَّى إِذَا قَضَى التَّثْوِيبَ أَقْبَلَ، حَتَّى يَخْطِرَ بَيْنَ المَرْءِ وَنَفْسِهِ، يَقُولُ: اذْكُرْ كَذَا، اذْكُرْ كَذَا، لِمَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ لاَ يَدْرِي كَمْ صَلَّى" متفق عليه . فعلى المسلم أن يتعوذ بالله من الشيطان حينما يشعر بوسوسة منه، قال تعالى: {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} ، وليعلم أن الشيطان يحاول أن يوقعه في الشرك بالله، وهى أكبر جريمة يرتكبها الإنسان في حق الله، فإن لم يستطع أن يوقعه في الشرك أوقعه في كبائر الذنوب، والبدع، فإن لم يستطع حاول أن يوقعه في صغائر الذنوب، فهو لا يمل أبدًا من إضلال الإنسان، قال تعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}. فالحصن المنيع من الشيطان الرجيم هو ذكر الله عز وجل ومراقبته ومصابرة القلب بمداومة الذكر، قال الله تعالى لنبيه: { وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها } فإذا اصطبر عليها بمداومة الذكر وحضور القلب وخشوع الجوارح تلاشت الخواطر الشيطانية ولا يكون للشيطان عليه سلطان، وتتحقق بالعبودية وينتظم في سلك : { إن عبادي ليس عليك عليهم سلطان } وكانت صلاته مما تنهاه { إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر }. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً ، اللَّهُمَّ إِننا نسأَلك صِحَة فِي إِيمَان ، وإيماناً فِي حسن خلق. ونجاحاً يتبعهُ فلاح. وَرَحْمَة مِنْك وعافية ، ومغفرة مِنْك ورضواناً " اللَّهُمَّ إِننا نعوذ بك من الْكفْر والفقر، ونعوذ بك من عَذَاب الْقَبْر، لَا إِلَه إِلَّا أَنْت " .

ليست هناك تعليقات: