الأحد، 25 فبراير 2018

دروس البيقونية ( 25 )

تقديم الشيخ : محمد ولد المصطفى الأنصاري
الدرس الخامس والعشرون من شرح كتاب البيقونية في مصطلح الحديث
القسم الواحد والثلاثون الحديث الموضوع
قال المؤلف رحمه الله :
والكذبُ الُمخْتَلَقُ المصنُوعُ ... على النبيِّ فذلكَ الموضوعُ.
الشرح:
 عرفه المؤلف بقوله: والكذبُ الُمخْتَلَقُ المصنُوعُ ... على النبيِّ فذلكَ الموضوعُ.
يعني هو: الذي اصطنعه بعض الناس، ونسبه إلى النبي صلى الله عليه وسلّم، فإننا نسميه موضوعاً في الاصطلاح.
* وكلمة موضوع هل تعني أن العلماء وضعوه ولم يلقوا له بالاً، أم أن راويه وضعه على النبي صلى الله عليه وسلّم؟
نقول: هو في الحقيقة يشملهما جميعاً، فالعلماء وضعوه ولم يلقوا له أي بالٍ، وهو موضوع أي وضعه راويه على النبي صلى الله عليه وسلّم.
والأحاديث الموضوعة كثيرة ألَّف فيها العلماء تآليف منفردة، وتكلموا على بعضها على وجه الخصوص، ومما أُلف في هذا الباب كتاب "اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة" ومنها "الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة" للشوكاني، ومنها "الموضوعات" لابن الجوزي، إلا أن ابن الجوزي - رحمه الله - يتساهل في إطلاق الوضع على الحديث، حتى إنهم ذكروا أنه ساق حديثاً رواه مسلم في صحيحه وقال إنه موضوع! ولهذا يُقال: "لا عبرة بوضع ابن الجوزي، والأحاديث الموضوعة لها أسباب: * منها التعصب لمذهب أو لطائفة، أو على مذهب أو على طائفة،  مثل آل البيت؛ فإن الرافضة أكذب الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلّم، لأنهم لا يستطيعون أن يُروجوا مذهبهم إلا بالكذب، إذ أنَّ مذهبهم باطل كما ذكر ذلك ابن تيمية رحمه الله .
والموضوع مردود، والتحدث به حرام، إلا من تحدّث به من أجل أن يبين أنه موضوع فإنه يجب عليه أن يبين ذلك لناس، ووضع الحديث على رسول الله صلى الله عليه وسلّم من كبائر الذنوب لقول النبي صلى الله عليه وسلّم: "من كذب علّي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار" .  وثبت عنه أنه قال: "من حدَّث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحدُ الكاذبين" .
وإذا أردت أن تسوق حديثاً للناس، وتُبين لهم أنه موضوع ومكذوب على النبي صلى الله عليه وسلّم، فلابد أن تذكره بصيغة التمريض "قيل ويُروى ويُذكر" ونحو ذلك، لكي لا تنسبه إلى النبي صلى الله عليه وسلّم بصيغة الجزم، لأنه إن فعلت ذلك أوقعت السامع في الإيهام.
عدد أبيات المنظومة وخاتمتها
ثم قال رحمه الله:
وقَدْ أتَتْ كالَجوهَر الَمكْنُونِ ... سَمَّيتُها منظُومة البَيقُونِي
قوله: "أتت" الضميُر يعود على هذه المنظومة.
وقوله "كالجوهر المكنون" أي مثل الجوهر، فالكاف للتشبيه.
و"أتت" فعل ماضي، وفاعله مستتر، و "كالجوهر" منصوبة على الحال، أي: أتت مثل الجوهر.
وقوله "المكنون" أي المحفوظ عن الشمس، وعن الرياح، والغبار فيكون دائماً نضراً مشرقاً.
وقوله "منظومة البيقوني" نسبها إليه، لأنه هو الذي نظمها.
ثم قال رحمه الله تعالى:
فوقَ الثلاثيَن بأربعٍ أتَتْ ... أبياتُها ثمَّ بخيٍر خُتِمتْ
قوله "فوق الثلاثين بأربعٍ أتت" أي أنها أتت أربعة وثلاثين بيتاً.
وقوله "أبياتها ثم بخير خُتمت" يعني أن أبيات هذه المنظومة جاءت فوق الثلاثين بأربع ثم خُتمت بخير.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات
هذا والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى وصحبه وسلم تسليما كثيرا .

دروس البيقونية ( 24 )

تقديم الشيخ : محمد ولد المصطفى الأنصاري
الدرس الرابع والعشرون من شرح كتاب البيقونية في مصطلح الحديث .                                
القسم التاسع والعشرون الحدث المنكر ، والقسم الثلاثون الحديث المتروك .
قال المؤلف رحمه الله:
والُمنكَرُ الفَرْدُ بهِ رَاوٍ غَدَا ... تَعدِيلُه لا يْحمِلُ التَّفَرُّدَا      
الشرح:
اختلف المحدثون في تعريف المنكر: فقيل: إن المنكر هو ما رواه الضعيف مخالفاً للثقة. مثل: أن يروي الحديث ثقةٌ على وجه، ويرويه رجل ضعيف على وجه آخر، حتى وإن كانا الراويان تلميذين لشيخ واحد. وقال بعضهم في تعريف المنكر: هو ما انفرد به واحد، لا يحتمل قبوله إذا تفرَّد. وهذا ما ذهب إليه الناظم.
وعلى هذا التعريف يكون المنكر هو الغريب، الذي لا يحتمل تفرد من انفرد به، وهو مردود حتى لو فُرض أن له شواهد من جنسه، فإنه لا يرتقي إلى درجة الحسن، وذلك لأن الضعف فيه متناهي، والتعريف الأول هو الذي مشى عليه الحافظ ابن حجر رحمه الله في كتابه نخبة الفِكر.                                                                                                   وأما الحديث المتروك وبيانه
قال المؤلفُ رحمه الله:
مَتُروكُهُ ما وَاحِدٌ بهِ انْفَرَدْ ... وأجَمعُوا لضَعْفِهِ فهْوَ كَرَدّ
الشرح:
المتروك عرفه الناظم بقوله: "ما واحدٌ به انفرد" يعني أن المتروك هو ما انفرد به واحد، أجمعوا على ضعفه. والضمير في "أجمعوا" يعود على المحدثين.
قوله "فهو كردّ" أي هو مردود، والكاف زائدة من حيث المعنى.
فالمتروك كما عرفه المؤلف، هو: الذي رواه ضعيفٌ أجمع العلماء على ضعفه.
فخرج به: ما رواه غير الضعيف فليس بمتروك، وما رواه الضعيف الذي اختلفوا في تضعيفه.
هذا هو ما ذهب إليه المؤلف.
وقال بعض العلماء ومنهم ابن حجر في النخبة: إن المتروك هو ما رواه راوٍ متهمٌ بالكذب.
فمثلاً: إذا وجدنا في التهذيب لابن حجر، عن شخصٍ من الرواة، قال فيه: أجمعوا على ضعفه، فإننا نسمي حديثه متروكاً إذا انفرد به، لأنهم أجمعوا على ضعفه.
وإذا وجدنا فيه قوله: وقد اتهم بالكذب فنسميه متروكاً أيضاً، لأن المتهم بالكذب حديثه كالموضوع، ولا نجزم بأنه موضوع، ولكن كونه متهماً بالكذب، ينزل حديثه إلى درجة تقرُب من الوضع.                                                                                                
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .

دروس البيقونية ( 23 )

تقديم الشيخ : محمد ولد المصطفى الأنصاري
الدرس الثالث والعشرون من شرح كتاب البيقونية في مصطلح الحديث .                                
القسم الثامن والعشرون الحديث المؤتلف والمختلف.
قال المؤلف رحمه الله:
مُؤتَلفٌ مُتَّفقُ الخطِ فَقَطْ ... وضِدُّهُ مختَلِفٌ فاخْشَ الغَلِطْ
الشرح :
المؤتلف والمختلف هو: الذي اتفق خطًّا ولكنه اختلف لفظاً، مثل: عباس وعياش، وخياط وحباط، وما أشبه ذلك.
يعني أن اللفظ في تركيب الكلمة واحد، لكن تختلف في النطق، فهذا يسمى مؤتلفاً مختلفاً.
* وسُمي مؤتلفاً لإتلافه خطًّا، وسُمي مختلفاً لاختلافه نطقاً، وهو أيضاً في نفس الوقت مفترق لاختلافه عيناً وذاتاً. فالأشخاص متعددون في المتفق والمفترق، والمؤتلف والمختلف، ولكن الكلام على الأسماء إن كانت مختلفة فسمِّه مؤتلفاً مختلفاً، وإن كانت متفقة فسمِّه متفقاً مفترقاً، وهذا اصطلاح، واصطلاح المحدثين أمرٌ لا يُنازَعون عليه، لأنه يقال: لا مشاحة في الاصطلاح.
 إذا ما هي الفائدة من معرفة هذا القسم من أقسام الحديث؟
نقول: الفائدة لئلا يشتبه الأشخاص، فمثلاً: إذا كان عندنا عشرة رجال كلهم يُسمَّون ب-"عباس" فلابد أن نعرف من هو عباس، لأنه قد يكون أحدهم ضعيفاً:
إما لسوء حفظه. وإما لنقص في عدالته، وإما لغير ذلك.
فلابد أن نعرف من عباس هذا، لأجل أن نعرف هل هو مقبول الرواية، أو غير مقبول الرواية، وهذا الباب قد ألَّف فيه كثير من العلماء وتكلموا فيه، وعلى رأسهم الحافظ ابن حجر - رحمه الله - : فإذا قال قائل: بأي طريق نميز هذا من هذا؟
فنقول: أما المؤتلف والمختلف فتمييزه يسير؛ لأنه مختلف في النطق، ولا يكون فيه اشتباه في الواقع، إلا إذا سلكنا طريق المتقدمين في عدم الإعجام.
 والإعجام هو: عدم تنقيط الحروف.
فمثلاً: عند المتقدمين كانت كلمة "عباس - وعيَّاش" واحدة لأنها كانت لا تُشكل ولا تُنقط، أما عند المتأخرين فإن الباب يقلُّ فيه الاشتباه، لأنهم يُعجمون الكلمات.
أما المتفق والمفترق فهو صعب، حتى في زمن المتأخرين، لأن تعيين المراد تحتاج إلى بحث دقيق في معرفة الشخص بعينه، ووصفه تماماً.
 فصار إذاً فائدة معرفة هذا الباب هو: تعيين الراوي، للحكم عليه بقبول روايته أو بردّها، والمرجع في ذلك الكتب المؤلفة في هذا الباب، ومما يُعين على تعيين الرجل معرفة شيوخه الذين يروي عنهم، وكذلك معرفة طلابه، الذين يروون عنه.
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .

دروس البيقونية ( 22 )

تقديم الشيخ : محمد ولد المصطفى الأنصاري
الدرس الثاني والعشرون من شرح كتاب البيقونية في مصطلح الحديث .                                
القسم السابع والعشرون الحديث  المتفق والمفترق            
قال المؤلف رحمه الله:  
مُتَّفِقٌ لَفْظاً وَخَطاً مُتَّفِقْ ... وضِدُّهُ فِيمَا ذَكَرْنَا المُفْتَرِقْ .
الشرح:
المتفق والمفترق. وهما في الحقيقة قسم واحد، خلافاً لما يظهر من كلام المؤلف رحمه الله - حيث جعلهما قسمين وهذا القسم يتعلق بالرواة، وهو ما إذا وجدنا اسمين متفقين لفظاً وخطًّا، لكنهما مفترقان ذاتاً أي أن الاسم واحد والمسمى اثنان فأكثر. وهذا العلم نحتاج إليه لئلا يقع الاشتباه، فمثلاً: كلمة عباس اسم لرجل مقبول الرواية، وهو اسم لرجل آخر غير مقبول الرواية، فهذا يسمى المتفق والمفترق. فإذا رأينا مثلاً أن الحافظ يقول: حدثني عباس وهو أحد شيوخه، وهو ثقة، ثم يقول مرة أخرى حدثني عباس وهو أيضاً من شيوخه ولكنه ليس بثقة، ثم يأتي هذا الحديث ولا ندري أي العباسين هو، فيبقى الحديث عندنا مشكوكاً في صحته، ويسمَّى عند أهل الفن بالمتفق والمفترق. ووجه التسمية ظاهر: وهو الاتفاق بحسب اللفظ والخط، والافتراق بحسب المسمى.  والعلم بهذا أمر ضروري، لأنهما إذا اختلفا في التوثيق صار الحديث محل توقف، حتى يتبين من هذا، فإن كان كل منهما ثقة، وقد لاقى كل منهما المحدِّث فإنه لا يضر لأن الحديث سيبقى صحيحاً. فالمتفق والمفترق يتعلق بالرواة لا بالمتون، وإذا كان يتعلق بالرواة فإنه يُنظر إذا كان هذا المتفق والمفترق كل منهما ثقة، فإنه لا يضر، وإذا كان أحدهما ثقة والآخر ضعيفاً فإنه حينئذ محل توقف، ولا يحكم بصحة الحديث، ولا ضعفه حتى يتبين الافتراق والاتفاق.
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .

دروس البيقونية ( 21 )

تقديم الشيخ : محمد ولد المصطفى الأنصاري
الدرس الواحد والعشرون من شرح كتاب البيقونية في مصطلح الحديث .                                      القسم السادس والعشرون الحديث المدبج                                                                                        
قال المؤلف رحمه الله  :
ومَا رَوى كُلُّ قَرِينٍ عَنْ أَخِهْ ... مُدّبَّجٌ فَأَعْرِفْهُ حَقًّا وانْتَخهْ .
الشرح:
كل حديث يرويه  القرينان كل منهما عن الآخر فهو المدبج ، بخلاف رواية الأقران فإن أحدهما يروي عن الآخر فقط بدون تبادل للتحديث ، والقرين هو: المصاحب لمن روى عنه، الموافِق له في السن، أو في الأخذ عن الشيخ. فإذا قيل: فلان قرينٌ لفلان، أي مشاركٌ له، إما في السن، أو في الأخذ عن الشيخ الذي رويا عنه، مثل: أن يكون حضورهما للشيخ متقارباً مثلاً في سنةٍ واحدة، وما أشبه ذلك. فالأقران إذا روى أحدهم عن الآخر، فإن ذلك يسمى عند المحدثين رواية الأقران، ولهذا تجد في كتب الرجال أنهم يقولون: وروايته عن فلان من رواية الأقران، أي أنه اشترك معه في السنّ، أو في الأخذ عن الشيخ، فإن روى كل منهما عن الآخر فهو "مُدبَّج".
فمثلاً: أنا رويتُ عن قريني حديث "إنما الأعمال بالنيات" وهو روى عني حديث "لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ" فهذا يكون مُدَبَّجاً، أو يروي عني نفس الحديث الذي رويته أنا، وأكون أنا قد رويته عنه من طريق، وهو رواه عني من طرق آخر، فهذا يسمى أيضاً مُدَبَّجاً.
* وما وجه كونه مُدَبَّجاً؟
قالوا: إنه مأخوذ من ديباجة الوجه، أي جانب الوجه، لأن كل قرين يلتفت إلى صاحبه ليحدثه فيلتفت إليه صاحبه ليحدثه، فيكون قد قابله بديباجة وجهه، وبالطبع فإن هذا الاشتقاق اصطلاحي، وإلا لقلنا إن كل حديث بين اثنين يتجه فيه أحدهما إلى الآخر فإنه يسمى مدبَّجاً، لكن علماء المصطلح خصوه، ولا مشاحة في الاصطلاح.
* ورواية المدبج هو: أن يروي كل قرين عن قرينه، إما حديثاً واحداً، أو أكثر من حديث.
* والفرق بينهما أن المدبَّج يُحدِّث كل منهما عن الآخر.
أما الأقران فأحدهما يحدث عن الآخر فقط بدون أن يحدث عنه صاحبه.
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .

دروس البيقونية ( 20 )

تقديم الشيخ : محمد ولد المصطفى الأنصاري
الدرس العشرون من شرح كتاب البيقونية في مصطلح الحديث .                                
القسم الخامس والعشرون الحديث: المدرج ،
قال المؤلف رحمه الله:                                                                                                                 والُمدرَجَاتُ فِي الحديثِ مَا أَتَتْ ... مِنْ بَعْض أَلْفَاظِ الرُّوَاةِ اتَّصَلَتْ
الشرح:
الحديث المدرج هو: ما أدخله أحد الرواة في الحديث بدون بيان، ولهذا سُمي مدرجاً، لأنه أُدرج في الحديث دون أن يبين الحديث من هذا المدرج، فالمدرج إذاً ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلّم، ولكنه من كلام الرواة، ويأتي به الراوي أحياناً، إما تفسيراً لكلمة في الحديث، أو لغير ذلك من الأسباب.
ويكون الإدراج أحياناً: في أول الحديث. وأحياناً يكون في وسطه. وأحياناً يكون في آخره.
مثاله في أول الحديث: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: "أسبغوا الوضوء، ويلٌ للأعقاب من النار" فالمرفوع هو قوله: "ويل للأعقاب من النار"  وأما قوله "أسبغوا الوضوء" فهو من كلام أبي هريرة - رضي الله عنه - والذي يقرأ الحديث يظن أن الكل، هو من كلام النبي صلى الله عليه وسلّم لأنه لم يُبين ذلك.
* ويعرف الإدراج بأمور:
1 - بالنص، حيث يأتي من طريق آخر ويُبين أنه مدرج.
2 باستحالة أن يكون النبي صلى الله عليه وسلّم قد قاله، وذلك لظهور خطأ فيه، أو قرينة تدل على أنه لا يمكن أن يكون من كلام النبي صلى الله عليه وسلّم.
3 - بنص من أحد الحفَّاظ الأئمة يبين فيه أن هذا مدرج.
* ما هو حكم الإدراج؟
نقول: إن كان يتغير المعنى بالإدراج فإنه لا يجوز إلا ببيانه.
وإن كان لا يتغير به المعنى مثل: حديث الزهري "والتحنُّث التعبُّد" فإنه لا بأس به، وذلك لأنه لا يعارض الحديث المرفوع، وإذا كان لا يعارضه فلا مانع من أن يُذكر على سبيل التفسير والإيضاح. وإذا تبين الإدراج فإنه لا يكون حجة، لأنه ليس من قول النبي صلى الله عليه وسلّم فلا يحتج به. وقوله "من بعض ألفاظ الرواة اتصلت" فكلمة "اتصلت" جملة حالية من فاعل أتت، يعني ما أتت متصلة في الحديث بدون بيان.
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .

دروس البيقونية ( 19 )

تقديم الشيخ : محمد ولد المصطفى الأنصاري
الدرس التاسع عشر من شرح كتاب البيقونية في مصطلح الحديث  
القسم الثالث والعشرون الحديث  المعل والقسم الرابع والعشرون الحديث المضطرب                                                                                      
قال المؤلف رحمه الله:                                                                                                                            ومَا بعِلَّةٍ غُمُوضٍ أَوْ خَفَا ... مُعَلَّلٌ عِنْدَهُمُ قَدْ عُرِفَا
الشرح:
يقال: "الحديث المعلل"، ويُقال: "الحديث الُمعَلّ"، ويقال الحديث المعلول، كل هذه الاصطلاحات لعلماء الحديث ولا شك أن أقربها للصواب من حيث اللغة هو "الُمعَلُّ"،
فنقول: المعلُّ هو الحديث الذي يكون ظاهره الصحة، ولكنه بعد البحث عنه يتبين أن فيه علة قادحة، لكنها خفية. مثال ذلك: أن يُروى الحديث على أنه مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلّم باتصال السند، ويكون هذا هو المعروف المتداول عند المحدثين، ثم يأتي أحدُ الحفاظ ويقول هذا الحديث فيه علة قادحة وهي أن الحفاظ رووه منقطعاً، فتكون فيه علة ضعف، وهي الانقطاع، بينما المعروف بين الناس أن الحديث متصلٌ.
قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله - في شرح النخبة: وهذا القسم
من أغمض أنواع الحديث، لأنه لا يطَّلع عليه إلا أهل العلم النقاد الذين يبحثون الأحاديث بأسانيدها ومتونها. وابن حجر يقول دائماً في بلوغ المرام: أُعلَّ بالإرسال، أو أُعلَّ بالوقف، وهكذا. فإذا قال ذلك فارجع إلى السند وانظر فيه من رواه؟
ولهذا اشترطوا في الصحيح أن يكون سالماً من الشذوذ والعلة القادحة، والمعلُّ من أقسام علم المصطلح وهو مهمٌّ جداً لطالب علم الحديث حيث إن معرفته تفيده فائدة كبيرة؛ لأنه قد يقرأ حديثاً ظاهره الصحة، وهو غير صحيح.                                                               وأما الحديث المضطرب                                                                                       قال المؤلف رحمه الله:                                                                              وذُو اخْتِلافِ سَنَدٍ أَوْ مَتْنِ ... مُضْطَرِبٌ عِنْدَ أُهَيْلِ الْفَنِّ
الشرح :
 الاضطراب معناه في اللغة: الاختلاف.
والمضطرب في الاصطلاح: هو الذي اختلف الرواة في سنده، أو متنه، على وجه لا يمكن فيه الجمع ولا الترجيح. فالاختلاف في السند مثل: أن يرويه بعضهم متصلاً، وبعضهم يرويه منقطعاً. والاختلاف في المتن مثل: أن يرويه بعضهم على أنه مرفوع، وبعضهم على أنه موقوف، أو يرويه على وجه يخالف الآخر بدون ترجيح، ولا جمع. فإن أمكن الجمع فلا اضطراب.
وإن أمكن الترجيح أخذنا بالراجح ولا اضطراب.
وإذا كان الاختلاف لا يعود لأصل المعنى فلا اضطراب أيضاً.
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً .

دروس البيقونية ( 18 )

تقديم الشيخ : محمد ولد المصطفى الأنصاري
الدرس الثامن عشر من شرح كتاب البيقونية في مصطلح الحديث  
القسم الثاني والعشرون الحديث  الفرد
قال المؤلف رحمه الله:
   والفَردُ مَا قَيَّدْتَهُ بِثِقةِ ... أَوْ جَمْعٍ أوْ قَصْرٍ عَلَى روايةِ
الشرح:
الحديث الفرد هو : أن ينفرد الراوي بالحديث، يعني أن يروي الحديث رجلٌ فرد وهو ما قيد بهذه الأوصاف التالية.                                                           :                                                                            1 - ما قُيد بثقة.
2 - ما قُيد بجمع.
3 - ما قُيد برواية.
والغالب على الأفراد الضعف، لكن بعضها صحيح متلقى بالقبول، لكن الغالب على الأفراد أنها ضعيفة، لاسيما فيما بعد القرون الثلاثة، لأنه بعد القرون الثلاثة، كثر الرواة فتجد الشيخ الواحد عنده ستمائة راوي. فإذا انفرد عنه راوٍ واحد دون غيره فإن هذا يوجب الشك، فكيف يخفى هذا الحديث على هذا العدد الكثير، ولا يرويه إلا واحد فقط. لكن في عهد الصحابة تكثر الفردية، وكذلك في عهد التابعين لكنها أقل من عهد الصحابة، لانتشار التابعين وكثرتهم، وفي عهد تابع التابعين تكثر الفردية لكنها أقل من عهد التابعين.
إذاً فالفردُ من قبيل الضعيف غالباً.
وأنواعه ثلاثة وهي:
1 - ما قُيِّدَ بثقة، أي ما انفرد به ثقة، ولم يروه غيره، لكنه لا يخالف غيره، مثل حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى" فقد حصل الإفراد فيه، في ثلاث طبقات من رواته، ومع ذلك فهو صحيح، لأنه انفرد به الثقة عن الثقة عن الثقة، فهذا يُسمى فرداً، ويسمى غريباً.
2 - ما قُيدَ بجمعٍ، ومراده بالجمع أهل البلد، أو أهل القرية، أو القبيلة أو ما أشبه ذلك، فإذا انفرد بهذا الحديث عن أهل هذا البلد شخص واحد، بمعنى أن يقال: تفرد فلان برواية هذا الحديث عن الشاميين، أو تفرد فلان برواية هذا الحديث عن الحجازيين، أو ما أشبه ذلك، فهنا فردٌ لكنه ليس فرداً مطلقاً، بل هو في بلد معين، وقد انفرد به من بين المحدثين من أهل هذا البلد.
فمثلاً إذا قدَّرنا أن المحدثين في الشام ألف محدث، فروى هذا الحديث منهم واحد، ولم يروه سواه. فنقول: هذا فرد لكن هل هو فرد مطلقاً؟
بل فرد نسبي، أي: بالنسبة لأهل الشام.
وللفرد المقيد بالجمع معنى آخر وهو: أن ينفرد به أهل بلد ما، بروايته عن فلان، فيقال: تفرد به أهل الشام عن فلان.
3 - وقوله "أو قصر على رواية".
القصر على الرواية هي أن يقال مثلاً: لم يروِ هذا الحديث بهذا المعنى إلا فلان، يعني أن هذا الحديث بهذا المعنى لم يروه إلا شخص واحد عن فلان، فتجد أن القصر في الرواية فقط، وإلا فالحديث من طرق أخرى مشهور، وطرقه كثيرة.
وإنما قسَّم المؤلف الفرد إلى هذا التقسيم: ليبين أن الفرد قد يكون فرداً نسبيًّا، وقد يكون فرداً مطلقاً، فإذا كان هذا الحديث لم يُروَ إلا من طريق واحد بالنسبة لأهل الشام، أو أي بلد فهو فردٌ نسبي. وكذلك بالنسبة للشيخ فلو قال: تفرَّد به فلان عن هذا الشيخ فإنه يُسمى فرداً نسبيًّا، والفرد النسبي غرابته نسبية، والفرد المطلق غرابته مطلقة، والفرد النسبي أقرب إلى الصحة، لأنه قد يكون فرداً بالنسبة لهؤلاء، ولكنه بالنسبة إلى غيرهم مشهور أو عزيز، أي مروي بعدة طرق.
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا

دروس البيقونية ( 17 )

تقديم الشيخ : محمد ولد المصطفى الأنصاري
الدرس السابع عشر من شرح كتاب البيقونية في مصطلح الحديث  
القسم الواحد والعشرون الحديث المقلوب  
قال المؤلف رحمه الله:
وما يخالف ثِقَةٌ بِهِ الَملأ ... فالشاذُّ والَمقْلُوبُ قِسْمَانِ تَلا
إبْدَالُ رَاوٍ مَا بِرَاوٍ قِسْمُ ... وَقَلْبُ إسْنَادٍ لمَتْنٍ قِسْمُ
الشرح:
الحديث المقلوبُ ينقسم إلى قسمين :
القسم الأول: وهو ما ذكره المؤلف بقوله "إبدال راوٍ ما براوٍ قسمُ" وهو ما يُسمَّى بقلب الإسناد. مثلاً: إذا قال: حدثني يوسف عن يعقوب، فيقلبُ الإسناد ويقول: حدثني يعقوب عن يوسف، وهذا أكثر ما يقعُ خطأ، إما لنسيان أو غيره، لأنه لا توجد فائدة في تعمد ذلك.
فإذا قال قائل ما الذي أعلمنا أن الإسناد مقلوب فقد يكون على الوضع الصحيح؟
فنقول: نعلم أنه مقلوب، إذا جاء من طريق آخر أوثق على خلاف ما هو عليه، أو جاء من نفس الراوي الذي قَلَبَهُ في حال شبابه وحفظه، يكون قد ضبطه وحدَّث به على الوضع الصحيح، وفي حال كِبَره ونسيانه، يحدِّثُ بالحديث ويقلب إسناده، ففي هذه الحالة نعرف أن الأول هو الصحيح، والثاني هو المقلوب.
مثاله: إذا روى هذا الحديث بهذا الإسناد الصحيح رجلان،
أحدهما أوثق من الآخر، فيأتي الذي ليس بأوثق من صاحبه ويقلب الإسناد، بأن يجعل التلميذ شيخاً والشيخ تلميذاً، فإننا نحكم في هذا الحديث بأنه مقلوب عليه لأنه قلب السند.
ومثال آخر: هذا الحديث حدَّث به هذا الرجل في حال شبابه وحفظه على وجه، وحدَّث به بعد شيخوخته ونسيانه على وجهٍ آخر، فإننا نحكم على الثاني أنه مقلوب، وربما نطَّلع أيضاً على هذا من طريق آخر بحيث أننا نعرف أن الذي جعله تلميذاً هو الشيخ، لأنه تقدم في عصره بمعرفة التاريخ. والمقلوب من قسم الضعيف، لأنه يدل على عدم ضبط الراوي.
القسم الثاني: وهو ما ذكره المؤلف بقوله "وقلب إسناد لمتن قسم" يعني أن يُقلب إسناد المتن لمتن آخر. مثاله: رجل روى حديثاً: من طريق زيد، عن عمرو، عن خالد، وحديثاً آخر: من طريق بكر، عن سعد، عن حاتم، فجعل الإسناد الثاني للحديث الأول، وجعل الإسناد الأول للحديث الثاني، فهذا يُسمَّى قلب إسناد المتن، والغالب أنه يقعُ عمداً للاختبار، أي لأجل أن يُختبر المحدِّث.
كما صنع أهل بغداد مع البخاري، وذلك لما علموا أنه قادم عليهم، اجتمعوا من العراق وما حوله وقالوا: نريد أن نختبر هذا الرجل، فوضعوا له مائة حديث ووضعوا لكل حديث إسناداً غير إسناده، وقلبوا الأسانيد ليختبروا البخاري - رحمه الله - وقالوا: كل واحد منكم عنده عشرة أحاديث يسأله عنها، ووضعوا عشرة رجال حفاظ أقوياء، فلما جاء البخاري - رحمه الله - واجتمع الناس، بدأوا يسوقون الأسانيد كلها حتى انتهوا منها، وكانوا كلما ساقوا إسناداً
ومعه المتن قال البخاري: لا أعرفه، حتى أتموها كلها، فالعامة من الناس قالوا: هذا الرجل لا يعرف شيئاً، يُعرض عليه مائة حديث وهو يقول: لا أعرفه، يعني لا أعرف هذا السند لهذا الحديث، ثم قام - رحمه الله - بعد ذلك وساق كل حديث بإسناده الصحيح، حتى انتهى من المائة كلها، فعرفوا أن الرجل آية من آيات الله في الحفظ، فأقرُّوا وأذعنوا له.
فهذا يسمى قلب إسناد المتن يعني أن تركب إسناد متن على متن آخر، والغالب أنه لا يقع إلا للاختبار، وقد يقع غشًّا، بحيث يريد الرجل أن يُروِّج الحديث لكنْ يكون إسناده ساقطاً يعني كلهم ضعفاء مثلاً، فيأتي بإسناد حديث صحيح ويُركبه عليه، فهو نوع من التدليس، لكنه بطريق آخر.
وهناك قسم آخر وهو قلب المتن: وهذا الذي يعتني به الفقهاء، وأما قلب الإسناد فيعتني به المحدثون، لأنهم ينظرون إلى السند هل هو صحيح؟ وهل يصح به الحديث أم لا.
وأما الفقهاء فيعتنون بقلب المتن، لأنه هو الذي يتغيُّر به الحكم، حيث إن هؤلاء ينظرون إلى الدلالة.
وقلب المتن يحصل من بعض الرواة تنقلب عليهم المتون فيروون بعض الأحاديث على غير وجهها.
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً

دروس البيقونية ( 16 )

تقديم الشيخ : محمد ولد المصطفى الأنصاري
الدرس السادس عشر من شرح كتاب البيقونية في مصطلح الحديث  
القسم العشرون الحديث الشاذ
قال المؤلف رحمه الله:
ومَا يَخالفْ ثقَةٌ فيه الَملأ ... فالشاذُّ والَمقْلُوبُ قسْمَان تَلا
الشرح :
الشاذ مأخوذ من الشذوذ، وهو الخروج عن القاعدة أو الخروج عن ما عليه الناس، وفي الحديث: "عليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار" يعني من خرج عنهم، فالشاذُّ هو الذي يخالف فيه الثقة الملأ "أي الجماعة"، ومعلوم أن الجماعة أقرب إلى الصواب من الواحد وأرجح، ولهذا يمكن أن نقول: إن المؤلف رحمه الله قال: "ما يخالف ثقة فيه الملأ" على سبيل المثال، وأن المراد بالقاعدة أن الشاذ هو: ما خالف فيه الثقة من هو أرجح منه عدداً، أو عدالة، أو ضبطاً.
والمؤلف ذكر القسم الأول وهو: العدد لأن الملأ جماعة، وقد يقال: إن الملأ هم أشراف القوم كما قال الله تعالى: {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ} [الأعراف: 88] . ومعلوم أن الأشراف في علم الحديث هم الحفاظ العدول، فيكون كلامه شاملاً من هو أرجح عدداً، أو عدالة، أو حفظاً.
مثال العدد: روى جماعة عن شيخهم حديثاً، ثم انفرد أحدهم برواية تخالف الجماعة وهو ثقة.
فتعتبر هذه الرواية شاذة، لأنه خالف من هو أرجح منه، باعتبار العدد.
إذاً عرفنا ما هو الشاذ، وما هو الذي يقابله، وهناك مخالفة أخرى لم يذكرها المؤلف وهي: إذا كان المخالف غير ثقة فإن حديثه يسمى منكراً.
والمنكر هو: ما خالف فيه الضعيف الثقة، وهو أسوأ من الشاذ، لأن المنكر المخالفة مع الضعف، والشاذ المخالفة فيه مع الثقة.
ويقابل المنكر المعروف، إذاً فهي أربعة أقسام:
1 - المحفوظ.
2 - الشاذ.
3 - المنكر.
4 - المعروف.
فالشاذ هو: ما رواه الثقة مخالفاً لمن هو أرجح منه.
والمنكر هو: ما رواه الضعيف مخالفاً للثقة.
والمحفوظ هو: ما رواه الأرجح مخالفاً لثقة دونه، وهو مقابل للشاذ.
والمعروف هو: ما رواه الثقة مخالفاً للضعيف.
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .

دروس البيقونية ( 15 )

تقديم الشيخ : محمد ولد المصطفى الأنصاري
الدرس الخامس عشر من شرح كتاب البيقونية في مصطلح الحديث
القسم التاسع عشر الحديث المدلس    
       قال المؤلف رحمه الله :                                                                                                                    وما أتى مُدلساً نَوعانِ                                                                                                                        الأَوَّلُ: الاسْقَاطُ لِلشَّيْخِ وَأَنْ ... ينقلُ عَمَّنْ فَوْقَهُ بِعَنْ وَأَنْ
والثَّانِ: لاَ يُسْقِطُهُ لَكِنْ يَصِفْ ... أَوْصَافَهُ بِمَا بِهِ لاَ ينعرف.
الشرح :
المدلس مأخوذ من التدليس، وأصله من الدُّلسة وهي الظلمة، والتدليس في البيع هو أن يُظهر المبيع بصفةٍ أحسن مما هو عليه في الواقع، مثل أن يصري اللبن في ضرع البهيمة، أو أن يصبغ الجدار بأصباغ يظنُّ الرائي أنّه جديد، وهو ليس كذلك.
أما التدليس في الحديث فينقسم إلى قسمين: كما قال المؤلف - رحمه الله - "وما أتى مدلساً نوعان" :
الأول: ما ذكره بقوله:
الأول الإسقاط للشيخ وأن ... ينقلُ عمن فوقه بعن وأن
وهذا تدليس التسوية، بان يسقط الراوي شيخه، ويروي عمن فوقه بصيغة ظاهرها الاتصال. كما لو قال: خالدٌ: إنّ عليًّا قال كذا وكذا، وبين خالد وعلي رجل اسمه محمد، وهو قد أسقط محمداً ولم يذكره، وقال إن عليًّا قال كذا وكذا.
وهذا تدليس وهو في الحقيقة لم يكذب بل هو صادق، لكن هناك بعض الأسباب تحمل الراوي على التدليس: كأن يريد الراوي أن يخفي نفسه لئلا يُقال عنه أنه أخذ عن هذا الشيخ مثلاً، أو أخفى ذلك لسبب ما ، أو لأنه يخشى على نفسه من سلطان أو نحوه، أو لغير ذلك من الأسباب الأخرى، أو لأجل أن الشيخ الذي أسقطه غير مقبول الرواية، إما لكونه ضعيف الحفظ، أو لكونه قليل الدين، أو لأن شيخه الذي روى عنه أقل مرتبة منه، أو ما أشبه ذلك.
المهم أن أسباب إسقاط الشيخ كثيرة غير محصورة، لكن أسوأها أن يكون الشيخ غير عدل، فيسقطه من أجل أن يصبح الحديث مقبولاً، لأن هذا يترتب عليه أحكام شرعية كثيرة، وربما يكون الحديث مكذوباً من قبل الشيخ الساقط.
ولا يقبل حديث المدلس، ولو كان الراوي ثقة، إلا إذا صرح بالتحديث وقال: حدثني فلان، أو سمعت فلاناً، فحينئذ يكون متصلاً.
القسم الثاني: تدليس الشيوخ: وهو ألا يُسقط الشيخ ولكن يصفه بأوصاف لا يعرف بها، وإليه الإشارة بقوله:
والثاني لا يسقطه لكن يصف ... أوصافه بما به لا ينعرف
مثل أن يسمي أحد شيوخه باسم غير اسمه، أو بلقبٍ غير لقبه، وهو لا يمكن أن يُعرف إلا بذلك الذي لم يسمه به، أو يصفُهُ بصفةٍ عامة كمن يقول: حدثني من أنفه بين عينيه، أو حدثني من جلس للتحديث. والسبب الذي دفع الراوي أن يفعل ذلك هو مثل الأسباب التي تقدمت في النوع الأول، لأنه يخفي اسم الشيخ حتى لا يوسم الحديث بالضعف، أو لأجل أن لا يرد الحديث، أو لأسباب أخرى. وهذا النوع كسابقه غير مقبول إلا إذا وصف من دلسه بما يعرف به فينظر في حاله.
 والله تعالى أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .

دروس البيقونية ( 14 )

تقديم الشيخ : محمد ولد المصطفى الأنصاري
الدرس الرابع عشر من شرح كتاب البيقونية في مصطلح الحديث  
القسم الثامن عشر الحديث المعضل ،
 قال المؤلف رحمه الله:                                                                                  
والُمعْضَلُ الساقِط مِنه اثنانِ ... وما أتى مُدلساً نَوعانِ                                            
كل سند سقط من أثنائه اثنان فأكثر على التوالي هو المعضل وقوله "المعضل" مبتدأ، و "الساقط" خبره. وقوله "الساقطُ منه اثنان" يعني على التوالي، لا على التفريق. فمثلاً: إذا كان السند هم الأول، والثاني، والثالث، والرابع وسقط الثاني والثالث فهذا يسمى معضلاً، لأنه سقط راويان على التوالي، وكذلك لو سقط ثلاثة فأكثر على التوالي.
وإذا سقط منه الثاني والرابع فهذا منقطع، لأنه وإن سقط منه راويان ولكنهما ليسا على التوالي.
وإذا سقط منه الأول والأخير، فهذا معلقٌ مرسل، أي أنه معلقٌ باعتبار أول السند، ومرسلٌ باعتبار آخر السند. وكل هذه الأقسام تعتبر من أقسام الضعيف.
وإذا وجدنا حديثين أحدهما معضل، والآخر منقطع، أو معلق، أو مرسل، فإن المعضل أشدُّ ضعفاً، لأنه سقط منه راويان على التوالي.
 والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .

دروس البيقونية ( 13 )

تقديم الشيخ : محمد ولد المصطفى الأنصاري
الدرس الثالث عشر من شرح كتاب البيقونية في مصطلح الحديث  
القسم السابع عشر الحديث المنقطع
قال المؤلف رحمه الله :
وَكُلُّ مَا لَمْ يَتَّصِلْ بحال ... إسْنَادُهُ مُنْقَطِعُ الأوْصالِ .
الشرح :
الْمُنْقَطع من صِفَات الْإِسْنَاد بِخِلَاف الْمَقْطُوع فَإِنَّهُ من صِفَات الْمَتْن
كل حديث لم يتصل إسناده بأي حال من الأحوال فإنه يسمى منقطعاً .
ويقسم العلماء الانقطاع إلى أربعة أقسام:
1 - أن يكون الانقطاع من أول السند.
2 - أن يكون الانقطاع من آخر السند.
3 - أن يكون الانقطاع من أثناء السند بواحد فقط.
4 - أن يكون الانقطاع من أثناء السند باثنين فأكثر على التوالي.
فأما القسم الأول وهو: إذا كان الأنقطاع من أول السند فإنه يسمى معلقاً.  ووجه التسمية فيه: ظاهرة؛ لأنك إذا علقت شيئاً في السقف، وهو منقطع من أسفله فلن يصل إلى الأرض، فالمعلق ما حُذف منه أول إسناده.
والمعلق من قسم الضعيف؛ لأن من شرط الصحيح، اتصال السند، لكن ما علقه البخاري جازماً به فهو صحيح عنده، وإن لم يكن على شرطه، وإنما قلنا صحيح عنده؛ لأنه يعلّقه مستدلاً به على الحكم، ولا يمكن أن يستدل على حُكم من أحكام الله تعالى، إلا بشيء صحيح عنده، لكنه ليس على شرطه، لأنه لو كان على شرطه، لساقه بسنده حتى يُعرف، مع أنه - رحمه الله تعالى - ربما يأتي به معلقاً في باب، ومتصلاً في باب آخر.
وأما القسم الثاني وهو: أن يكون الانقطاع من آخر السند فهذا هو المرسل.
وأما القسم الثالث وهو: أن يكون الانقطاع من أثناء السند برجل واحد فهذا يسمى منقطعاً في الاصطلاح، فالمنقطع عندهم هو ما حُذف من أثناء سنده راوٍ واحد فقط.
وأما القسم الرابع وهو: أن يكون الانقطاع من أثناء السند برجلين فأكثر على التوالي فهذا يسمى معضلاً.    
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .

دروس البيقونية ( 12 )

تقديم الشيخ : محمد ولد المصطفى الأنصاري
الدرس الثاني عشر من شرح كتاب البيقونية في مصطلح الحديث                                                    
القسم الخامس عشر الحَدِيث الْمَرسل والسادس عشر الحديث الغريب
       قال المؤلف رحمه الله :
وَمُرْسلٌ مِنْهُ الصِّحَابِيُّ سَقَطْ ** وَقُلْ غَرِيبٌ مَا رَوَى رَاوٍ فَقَطْ
الشرح :
المرسل في اللغة: المطلق، ومنه أرسل الناقة في المرعى، أي: أطلقها.
وفي الاصطلاح عرفه الناظم بأنه: ما سقط منه الصحابي.
وعرفه بعض العلماء بأنه: ما رفعه التابعي أو الصحابي الذي لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلّم وهذا التعريف أدق؛ لأن ظاهر كلام المؤلف أنه إذا ذكر الصحابي فليس بمرسل، ولو كان الصحابي لم يسمع من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، كمحمد بن أبي بكر - رضي الله عنهما - الذي ولد في حجة الوداع وهذا ليس بجيد، فإن حديث الصحابي الذي لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلّم من قبيل المرسل عند المحققين.
والمرسل من أقسام الضعيف؛ لأن الواسطة بين النبي صلى الله عليه وسلّم وبين من رفعه مجهولة إلا في المواضع التالية:
الأول: إذا علم الواسطة بين النبي صلى الله عليه وسلّم ومن رفعه، فيحكم بما تقتضيه حاله.
الثاني: إذا كان الرافع له صحابيًّا وقد يكون يرسل عن صحابي آخر .
الثالث: إذا علم أن رافعه لا يرفعه إلا عن طريق صحابي.
الرابع: إذا تلقته الأمة بالقبول كمراسيل سعيد بن المسيب فالغالب عليها الصحة .                                                                      وأما الحديث الغريب :
قال المؤلف رحمه الله: وقُلْ غَريبٌ ما رَوى راوٍ فَقَطْ
قوله: "وقُل غريبٌ ما روى راوٍ فقط" الغريب مشتق من الغربة، والغريب في البلد هو الذي ليس من أهلها.
والغريب في الحديث هو: ما رواه راوٍ واحد فقط، حتى ولو كان الصحابي، فهو غريب، مثل أن لا نجد راو من الصحابة إلا ابن عباس - رضي الله عنهما - فهو غريب، أو لم نجد راوياً من التابعين إلا قتادة فهو غريب.
والغرابة إما أن تكون في: أول السند. أو في أثنائه. أو في آخره. يعني قد يكون الحديث غريباً في آخر السند لم يروه إلا تابعي واحد عن الصحابة، ثم يرويه عنه عدد كبير، فيكون هذا غريباً في آخر السند، وفيما بعده قد يصل إلى حد التواتر، فحديث "إنما الأعمال بالنيات ... " من الغريب، لكنه غريب في طبقة الصحابة والتابعين، وأما بعد ذلك فقد انتشر انتشاراً واسعا . وقد يكون غريباً في أثنائه، رواه جماعة وانفرد به عنهم واحد، ثم رواه عن جماعة، وقد يكون غريباً في أوله انفرد به واحد عن جماعة.
والغريب قد يكون صحيحاً، وقد يكون ضعيفاً، لكن الغالب على الغرائب أنها تكون ضعيفة.
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا

دروس البيقونية ( 11 )

تقديم الشيخ : محمد ولد المصطفى الأنصاري
الدرس الحادي عشر من شرح كتاب البيقونية في مصطلح الحديث                                                    
القسم الرابع عشر الحَدِيث الْمَوْقُوف وضابطه
قال المؤلف رحمه الله:
وما أضَفتهُ إلى الأصحابِ مِنْ ... قولٍ وفعلٍ فهو موقوفٌ زكن .
الشرح:
 كل حديث أضيف لصحابي فهو الموقوف سَوَاء اتَّصل إسناده اليه أم انْقَطع وَسَوَاء كَانَ الحَدِيث من قَول كقال ابن عمر كذا أو فعل:  كحديث كان ابن عمر يوتر على الدابة في السفر فَهُوَ مَوْقُوف .
 زكن أَي : علم عِنْدهم.
ويُستثنى من ذلك ما ثبت له حكم الرفع، من قول الصحابي أو فعله، فإنه يكون مرفوعاً حُكماً، ولو كان من فعل الصحابي، كصلاة علي رضي الله عنه في الكسوف ثلاث ركوعات في كل ركعة، فهذا مرفوعٌ حُكماً، لأن عدد الركوعات في ركعة واحدة، أمرٌ يتوقف فيه على الشرع، ولا مجال للاجتهاد فيه، وكذلك لو تحدث الصحابي عن أمر من أمور المستقبل، أو أمور الغيب، فإنه يُحكم له بالرفع، لأن أمور الغيب ليس للرأي فيها مجال .
والمراد بالأصحاب هنا: أصحاب النبي صلى الله عليه وسلّم.
والصحابي هو: من اجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلّم مؤمناً به، ومات على ذلك.
حتى ولو كان الاجتماع لحظة، ولابد في الصحابي أن يموت مؤمناً بالنبي صلى الله عليه وسلّم حتى ولو ارتد عن الإسلام ثم رجع إليه مرة أخرى، فهو صحابي على الصحيح من أقوال أهل العلم.
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .

دروس البيقونية ( 10 )

تقديم الشيخ : محمد ولد المصطفى الأنصاري
الدرس العاشر من شرح كتاب البيقونية في مصطلح الحديث  القسم الثالث عشر الحَدِيث العالي والْحَدِيث النَّازِل
قال المؤلف رحمه الله:
وَكُلُّ مَا قَلَّتْ رِجَالُهُ عَلاَ ... وَضِدُهُ ذاك الذي قد نَزَلا                                                        
الشرح :
قال الإمام أحمد بن حَنْبَل طلب السند العالي سنة عمن سلف .
وقال غيره ؛ الإسناد قربة إلى الله تعالى .
قيل لسفيان بن عيينة حين حضرته الموت ما تشتهي فقال : إسناد عالي وبيت خالي .
الحديث العالي، والنازل ، وعلو الإسناد ونزوله من وصف الإسناد ، وينقسم العلو إلى قسمين:
1 - علو عدد، وهو ما عرّفه المؤلف بقوله " وكُلُّ ما قَلّتْ رجَالُهُ "عَلا . فكل ما قل رجال السند فيه فهو عالٍ، وكل ما كثر رجال السند فيه فهو نازل، وذلك لأنه إذا قلَّ عدد الرجال، قلت الوسائط، وكلما قلت الوسائط ضعف احتمال الخطأ، ويتضح هذا بالمثال: فإذا كان الرواة زيداً، عن عمرو، عن بكر، فالخطأ يحتمل في الأول، ويحتمل في الثاني، ويحتمل في الثالث، فالاحتمالات ثلاثة، وإذا كانوا زيداً، عن عمرو، عن بكر، عن خالد، عن سفيان، صار عندنا خمسة احتمالات، ومعلوم أنه كلما قل احتمال الخطأ كان أقرب إلى القبول. فإذا رُوي الحديث بسند بينه وبين الراوي خمسة، ورُوي من طريق آخر بينه وبين الراوي ثلاثة، فالثاني هو العالي، والأول هو النازل، لأن احتمال الخطأ في الثلاثة أقل من احتمال الخطأ في الخمسة. وهل يلزم من علو السند عدداً أن يكون أصحَّ من النازل؟
2 - علو صفة. وذلك بأن يكون رجال السند أثبت في الحفظ والعدالة من السند الآخر.
مثاله: إذا روي الحديث من طريق عدد رجاله ثلاثة، وروي من طريق آخر عدد رجاله ثلاثة، لكن رجال الطريق الأول أضعف من الطريق الثاني في الحفظ، والعدالة، فالثاني بلا شك أقوى وأعلى من الطريق الأول. ولو رُوي الحديث من طريق فيه أربعة رجال، وروي من طريق آخر فيه ثلاثة رجال، لكن الطريق الأول أثبت من الطريق الثاني في العدالة والحفظ، فالأول أعلى باعتبار حال الرواة.
يعني أن الأول أعلى علو صفة، والثاني أعلى علو عدد، ففي هذه الحالة أيهما نقدم؟
نقول: نقدم الأول وهو العلو في الصفة، لأن العلو في الصفة هو الذي يُعتمد عليه في صحة الحديث، لأن العدد قد يكون مثلاً ثلاثة رواة وكلهم ثقات، فيكون الحديث صحيحاً، وقد يكون العدد عشرين راوياً، لكن كلهم ضعفاء، فلا يكون الحديث صحيحاً.
إذاً فالعلو ينقسم إلى قسمين:
1 - علو العدد وهو: ما كان فيه عدد الرجال أقل.
2 - علو الصفة وهو: ما كان حال الرجال فيه أقوى وأعلى من جهة الحفظ والعدالة.
والمؤلف رحمه الله لم يتكلم عن علو الصفة وإنما تكلم عن علو العدد.                                    
 وَأَعْلَى مَا يَقع للْبُخَارِيّ مَا بَينه وَبَين الصَّحَابَة فِيهِ اثْنَان ،  وَمسلم مَا بَينه وَبَين الصَّحَابَة فِيهِ ثَلَاثَة.                                            والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا

دروس البيقونية ( 9 )

تقديم الشيخ : محمد ولد المصطفى الأنصاري
الدرس التاسع من شرح كتاب البيقونية في مصطلح الحديث
القسم الحادي عشر الحَدِيث المعنعن ، وشبيهه المؤنن ، القسم الثاني عشر الحَدِيث الْمُبْهم                          
   قال المؤلف رحمه الله:                                                                                                                    مَعَنْعَنٌ كَعَن سَعِيدٍ عَنْ كَرَمْ ... وَمُبْهَمٌ مَا فِيهِ رَاوٍ لَمْ يُسَمْ .
سنتكلم هنا عن ثلاث أقسام:  الحديث المعنعن وشبيهه الحديث المؤنن . والحديث المبهم .
المعنعن مأخوذٌ من كلمة "عن" وهو: ما أُدي بصيغة عن.
وهذا هو القسم الحادي عشر، من أقسام الحديث المذكورة في هذا النظم مثل أن يقول: عن نافع عن ابن عمر - رضي الله عنهما - ومثل أن يقول: حدثني فلان، عن فلان، واقتصر المؤلف على التعريف بالمثال؛ لأن التعريف بالمثال جائز، إذ أن المقصود بالتعريف هو إيضاح المعرَّف، والمثال قد يُغني عن الحد، والمثال الذي ذكره المؤلف هو "عن سعيد عن كرم" فيقول أروي هذا الحديث عن سعيد عن كرم، هذا هو المعنعن. وهناك نوع آخر مثله وهو المؤنن، وهو ما روي بلفظ "أن"، مثل أن يقول: حدثني فلان أن فلاناً قال: إلخ . وحكم المعنعن والمؤنن هو: الاتصال، إلا ممن عُرف بالتدليس، فإنه لا يُحكم باتصاله إلا بعد أن يُصرح بالسماع في موضع آخر. ومن ثم نحتاج إلى معرفة المدلسين، وذلك لكي تستطيع أن تعرف الحديث إذا جاء بلفظ "عن"، وكان عن مدلس فإنه لا يُحكم له بالاتصال، لأن المدلس قد يُسقط الراوي الذي بينه وبين المذكور تدليساً، لأن الراوي الذي أسقطه قد يكون ضعيفاً في روايته، أو في دينه، فيُسقطه حتى يظهر السند بمظهر الصحيح، فهذا لا نحمله على الاتصال ونخشى من تدليسه، وهذا من احتياط أهل العلم لسنة النبي صلى الله عليه وسلّم، ومن نعمة الله تعالى على هذه الأمة حيث إنهم كانوا يتحرزون أشد التحرز فيما يُنسب إلى النبي صلى الله عليه وسلّم.
مُعَنْعَن بِفَتْح الْعَينَيْنِ هُوَ الحَدِيث الَّذِي رُوِيَ بِلَفْظ عَن من غير بَيَان للتحديث أَو الْأَخْبَار أَو السماع وَاكْتفى النَّاظِم عَن تَعْرِيفه بالمثال فَقَالَ كعن سعيد وَعَن كرم .
وَحكمه عِنْد الْجُمْهُور الِاتِّصَال بِشَرْطَيْنِ سَلامَة معنعنة من التَّدْلِيس وَثبُوت ملاقاته لمن روى بعن عِنْد البُخَارِيّ فِي جَامِعه وَاكْتفى مُسلم أَي فِي صَحِيحه عَن الشَّرْط الثَّانِي بِثُبُوت كَونهمَا فِي عصر وَاحِد وَمثله الحَدِيث المؤنن وَهُوَ مَا رُوِيَ بِلَفْظ أَن كحدثنا فلَان أَن فلَانا قَالَ كَذَا .
وأما  الحَدِيث الْمُبْهم
ومبهم من الحَدِيث أَي حَده هُوَ مَا أَي حَدِيث فِيهِ راو لم يسم أَي لم يذكر باسمه بل أبهم وأخفى سَوَاء كَانَ رجلا أَو امْرَأَة فِي الْمَتْن والإسناد مِثَاله فِي الْمَتْن حَدِيث عَائِشَة أَن امْرَأَة سَأَلت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن غسلهَا من الْمَحِيض قَالَ خذي فرْصَة من مسك فتطهري بهَا . الحَدِيث . والفرصة بِكَسْر الْفَاء قِطْعَة من صوف وَنَحْوه ومثاله فِي الإسناد مَا إذا قيل حَدثنِي سُفْيَان عَن رجل وَحكمه الضعْف إِذا كَانَ فِي السَّنَد وَلم يعلم لعدم وُرُوده فِي طَرِيق أُخْرَى أما فِي الْمَتْن فَلَا يضر وَفَائِدَته مَعْرفَته زَوَال الْجَهَالَة . وحكم المبهم أن حديثه لا يُقبل، حتى يُعلم من هو هذا المبهم، وذلك لجهالتنا بحال هذا المبهم، إلا المبهم من الصحابة فإن إبهامه لا يضر، لأن الصحابة كلهم عدولٌ ثقاتٌ بشهادة الله تعالى لهم في قوله تعالى: ( رضي الله عنهم ورضوا عنه )، وقوله:  {وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} .
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .

دروس البيقونية ( 8 )

تقديم الشيخ : محمد ولد المصطفى الأنصاري
الدرس الثامن من شرح كتاب البيقونية في مصطلح الحديث
القسم التاسع الحَدِيث الْعَزِيز ، والقسم العاشر الحديث المشهور                                                                                 قال المؤلف رحمه الله                                                                                                            عَزِيزُ مَرْوِي اثْنَيْنِ أوْ ثَلاَثَهْ ... مَشْهُورُ مَرْوِي فوْقَ مَا ثَلاثهْ
الشرح:
ذكر المؤلف في هذا البيت قسمين من أقسام الحديث وهما: العزيز والمشهور، وبهما يتم التاسع والعاشر من أقسام الحديث التي في النظم.
العزيز في اللغة: مأخوذ من عزَّ إذا قوي، وله معاني أُخرى، منها القوة، والغلبة، والامتناع، لكن الذي يهمنا في باب المصطلح هو المعنى الأول وهو القوة.
أما في الاصطلاح فهو: ما رواه اثنان عن اثنين عن اثنين إلى أن يصل إلى منتهى السند.
والمؤلف هنا لم يشترط أن يكون مرفوعاً، فيشمل المرفوع، والموقوف، والمقطوع، لأنه قال "مروي اثنين" ولهذا فإنه لا يشترط في العزيز أن يكون مرفوعاً.
ووجه تسميته عزيزاً: لأنه قوي برواية الثاني، وكلما كثُرَ المخبرون ازداد الحديث أو الخبر قوة، فإنه لو أخبرك ثقة بخبر، ثم جاء ثقة آخر فأخبرك بنفس الخبر، ثم جاءك ثالث، ثم رابع، فأخبروك بالخبر، لكان هذا الخبر يزداد قوة بازدياد المخبر به. وقوله "أو ثلاثة".
هنا للتنويع يعني أن العزيز هو ما رواه اثنان عن اثنين إلى آخره، أو ما رواه ثلاثة عن ثلاثة إلى آخره. فما رواه ثلاثة عن ثلاثة إلى منتهى السند يعتبر - في رأي المؤلف - عزيزاً لأنه قوي بالطريقين الآخرين. مِثَال الْعَزِيز حَدِيث الشَّيْخَيْنِ عَن أنس رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا يُؤمن أحدكُم حَتَّى أكون أحب اليه من وَلَده ووالده وَالنَّاس أَجْمَعِينَ رَوَاهُ عَن أنس قَتَادَة وَعبد الْعَزِيز بن صُهَيْب وَرَوَاهُ عَن قَتَادَة شُعْبَة وَسَعِيد وَرَوَاهُ عَن عبد الْعَزِيز اسماعيل بن علية وَعبد الْوَارِث وَرَوَاهُ عَن كل جمَاعَة .                                              
وأما القسم العاشر الحَدِيث الْمَشْهُور                                                                            قوله: "مشهور مروي فوق ما ثلاثة".
هذا رأي المؤلف، وعلى هذا القول : مشهور مروي فوق ما ثلاثة ، فالمشهور على كلام المؤلف هو ما رواه أربعة فصاعداً، ولم يصل إلى حد التواتر. والمشهور يُطلق على معنيين هما:
1 - ما اشتهر بين الناس.
2 - ما اصطلح على تسميته مشهوراً.
أما ما اشتهر بين الناس فإنه أيضاً على نوعين:
أما اشتهر عند العامة.
ب ما اشتهر عند أهل العلم.
فأما ما اشتهر عند العامة: فلا حكم له؛ لأنه قد يشتهر عند العامة بعض الأحاديث الموضوعة فهذا لا عبرة به، ولا أثر لاشتهاره عند العامة، لأن العامة ليسوا أهلاً للقبول أو الرد، ولهذا نجد كثيراً من الأحاديث المشتهرة عند العامة قد ألَّف العلماء فيها مؤلفات مثل كتاب "تمييز الطيب من الخبيث فيما يدور على ألسنة الناس من الحديث".                                      
والنوع الثاني هو المشهور عند العلماء فهذا يحتج به بعض العلماء وإن لم يكن له إسناد، ويقول: لأن اشتهاره عند أهل العلم، وقبولهم إياه وأخذهم به، يدل على أن له أصلاً.
ومن ذلك حديث "لا يقاد الوالد بالولد" يعني لا يُقتل الوالد بالولد قصاصاً، وهو مشهور عند العلماء، وهو حديث صحيح رواه الترمذي وغيره . فمنهم من أخذ به، وقال لأن اشتهاره عند العلماء وتداولهم إياه واستدلالهم به يدل على أن له أصلاً.
ومن العلماء من لم يعتبر بهذا.
ومنهم من فصَّل وقال: إن لم يُخالف ظاهر النص فهو مقبول.
أما إن خالف ظاهر النص فهو مردود، وهذا أقرب الأقوال الثلاثة وهو: أن ما اشتهر بين العلماء يُنظر فيه، فإن لم يُخالف نصًّا فهو مقبول، وإن خالف نصًّا فليس بمقبول.
وَمِثَال الْمَشْهُور حَدِيث إِن الله لَا يقبض الْعلم انتزاعا ينتزعه من الْعباد وَلَكِن يقبض الْعلمَاء حَتَّى إِذا لم يبْق عَالم اتخذ النَّاس رُؤَسَاء جُهَّالًا فسئلوا فأفتوا بِغَيْر علم فضلوا وأضلوا . متفق عليه .
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .

دروس البيقونية ( 7 )

تقديم الشيخ : محمد ولد المصطفى الأنصاري
الدرس السابع من شرح كتاب البيقونية في مصطلح الحديث
القسم الثامن الحَدِيث المسلسل
قال المؤلف رحمه الله :
مُسَلْسَلٌ قُلْ مَا عَلَى وَصْفٍ أَتَى ... مِثْلُ أَمَا وَاللهِ أنْبأنِي الْفَتَى
كذَاكَ قَدْ حَدَّثَنِيهِ قَائما ... أَوْ بَعْدَ أَنْ حَدَّثَنِي تَبَسَّمَا
الشرح:
الحديث المسلسل هو الذي اتفق الرواة فيه على وصفٍ معيَّن، إما وصف الأداء، أو وصف حال الراوي وقد يكون قوليا أو فعلياً وفائدة المسلسل هو: التنبيه على أن الراوي قد ضبط الرواية، ولذلك أمثلة كثيرة منها: حديث معاذ بن جبل - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال له: "إني أحبُّك فلا تدعنَّ أن تقول دبر كل صلاة: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحُسن عبادتك" . فقد تسلسل هذا الحديث بقوله بصفة الحب . أَو فعليا كَحَدِيث أبي هُرَيْرَة شَبكَ بيَدي أَبُو الْقَاسِم صلى الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثم قال خلق الله الأَرْض يَوْم السبت . فَإِنَّهُ مسلسل بتشبيك كل مِنْهُم بيد من رَوَاهُ عَنهُ . كَذَاك من الْفعْلِيّ اذا قَالَ قد حَدَّثَنِيهِ قَائِما ثمَّ يفعل الآخر مثل ذَلِك أَو قَالَ بعد أَن حَدثنِي الحَدِيث تبسما فَإِن كلا من الْقيام والتبسم وصف فعلي وَقد يجْتَمع الْوَصْف القولي والفعلي مَعًا كَحَدِيث أنس رَضِي الله عَنهُ مَرْفُوعا لَا يجد العَبْد حلاوة الايمان حَتَّى يُؤمن بِالْقدرِ خَيره وشره حلوه ومره قَالَ وَقبض رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على لحيته وَقَالَ آمَنت بِالْقدرِ فَإِنَّهُ مسلسل بِقَبض كل مِنْهُم على لحيته مَعَ قَوْله آمَنت بِالْقدرِ
فوائد معرفة المسلسل هي:
أولاً: هو في الحقيقة فن طريف، حيث إن الرواة يتفقون فيه على حال معينة لاسيما إذا قال: حدثني وهو على فراشه نائمٌ، حدثني وهو يتوضأ، حدثني وهو يأكل، حدثني ثم تبسم، حدثني ثم بكى، فهذه الحالة طريفة، وهي أن يتفق الرواة كلهم على حال واحدة.
ثانياً: أن في نقله مسلسلاً هكذا؛ حتى لدرجة وصف حال الراوي، فيه دليل على تمام ضبط الرواة، وأن بعضهم قد ضبط حتى حال الراوي حين رواه، فهو يزيد الحديث قوة.
ثالثاً: أنه  إن كان التسلسل مما يقرب إلى الله، صار فيه زيادة قربة وعبادة، مثل ما في حديث معاذ - رضي الله عنه - "إني أحبك فلا تدعنَّ ... "فكون كل واحد من الرواة يقول للثاني إني أحبُّك، كان هذا مما يزيد في الإيمان، ويزيد الإنسان قربة إلى الله تعالى، لأن من أوثق عرى الإيمان الحب في الله، والبغض في الله.
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .

دروس البيقونية ( 6 )

تقديم الشيخ : محمد ولد المصطفى الأنصاري
الدرس السادس من شرح كتاب البيقونية في مصطلح الحديث
القسم السابع الحَدِيث الْمُتَّصِل
قال المؤلف رحمه الله :
وَمَا بِسَمْعِ كُلِّ رَاوٍ يَتَّصِل ... إسْنَادُهُ لِلْمُصْطَفَى فَالْمُتَّصِل .
الشرح :
الْحَدِيث المتصل هو الَّذِي كل راو يتصل فيه إسناده إلى النبي صلى الله عليه وسلم أَو لصَاحبه مَوْقُوفا عَلَيْهِ فذَلِك هُوَ الْمُتَّصِل وَيُقَال لَهُ أَيْضا الْمَوْصُول والمؤتصل فَدخل الْمَرْفُوع كَمَالَك عَن نَافِع عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْمَوْقُوف كَمَالَك عَن نَافِع عَن ابْن عمر رضي الله عنه .
فالمتصلُ على كلام المؤلف هو: المرفوع الذي أخذه كل راوي عمن فوقه سماعاً.
فاشترط المؤلف للمتصل شرطين:
1 - السماع بأن يسمع كل راوٍ ممن روى عنه.
2 - أن يكون مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلّم.
لقوله "للمصطفى" يعني إلى المصطفى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ، وبناء على ذلك، فالموقوف، والمقطوع، لا يسمى متصلاً؛ لأن المؤلف اشترط أن يكون متصلاً إلى النبي صلى الله عليه وسلّم، وفي المقطوع، والموقوف لم يتصل السند إلى النبي صلى الله عليه وسلّم.
وكذلك المرفوع، إذا كان فيه سقط في الرواة، فإنه لا يسمى متصلاً، لأنه منقطع.
وعلى ظاهر كلام المؤلف إذا لم يُصّرح الراوي بالسماع، أو ما يقوم مقامه، فليس بمتصل، فلابد أن يكون سماعاً، والسماع من الراوي هو أقوى أنواع التحمل وهذا هو ما ذهب إليه المؤلف في تعريف المتصل.
وَخرج بِقَيْد الِاتِّصَال الْمُرْسل والمنقطع وَالْمُعَلّق والمعضل ومعنعن الاسناد قبل تبين سَمَاعه ، وبقيد السماع خرج اتِّصَال السَّنَد بِغَيْر السماع كاتصاله بِالْإِجَازَةِ كَأَن يَقُول أجازني فلَان قَالَ أجازني فلَان ، وَعلم الْمسند أخص من الْمُتَّصِل فَكل مُسْند مُتَّصِل وَلَا عكس ، فالمتصلُ على كلام المؤلف هو: المرفوع الذي أخذه كل راوي عمن فوقه سماعاً. فاشترط المؤلف للمتصل شرطين:
1 - السماع بأن يسمع كل راوٍ ممن روى عنه.
2 - أن يكون مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلّم.
وَحكمه الصِّحَّة أَو الْحسن أَو الضعْف حسب رجال سنده جرحاً وتعديلا. والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا

دروس البيقونية ( 5 )

تقديم الشيخ : محمد ولد المصطفى الأنصاري
الدرس الخامس من شرح كتاب البيقونية في مصطلح الحديث
القسم السادس الحَدِيث الْمسند
قال المؤلف رحمه الله :
والُمسنَدُ الُمتَّصِلُ الإسنادِ مِنْ .@@ رَاوِيهِ حَتَّى المُصْطَفَى وَلَمْ يَبِنْ
الشرح :
الحديث الْمسند تعريفه : هو الحديث الْمُتَّصِل الإسناد من راويه حَتَّى يَنْتَهِي إِلَى الْمُصْطَفى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَا يسْتَعْمل إِلَّا فِي الْمَرْفُوع والمتصل وَذَلِكَ كإسناد السلسلة الذهبية : مَالك عَن نَافِع عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم . وَقَوله: وَلم يبن أَي؛  وَالْحَال أن الإسناد لم يَنْقَطِع جملَة مُؤَكدَة لما قبلهَا . فالمسند هو : الحديث المتصل الإسناد حتى ينتهي إلى النبي صلى الله عليه وسلم .
وعلى هذا هذا فالموقوف ليس بمسند، لأنه غير مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم  أي : لم يتصل إلى النبي صلى الله عليه وسلّم. وكذلك المنقطع الذي سقط منه بعض الرواة ليس بمسند، لأننا اشترطنا أن يكون الحديث متصلاً ، وَحكمه الصِّحَّة أَو الْحسن أَو الضعْف أي : قد يكون صحيحا وقد يكون حسنا أو ضعيفا وذلك حسب رجال سنده جرحاً وتعديلا. والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .

دروس البيقونية ( 4 )

تقديم الشيخ : محمد ولد المصطفى الأنصاري
الدرس الرابع من شرح كتاب البيقونية في مصطلح الحديث
القسم الرابع الحَدِيث الْمَرْفُوع ، والخامس الحَدِيث الْمَقْطُوع
قال المؤلف رحمه الله                                                 :                                                                           وما أُضيفَ للنبي "الَمرْفوعُ" وما لتَابِعٍ هُوَ"المقْطوعُ" .                                                    
وَمَا أضيف أَي الحَدِيث الَّذِي أَضَافَهُ صَحَابِيّ أَو تَابِعِيّ أَو من بعدهمَا للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قولا كَانَ أَو فعلا وَمن الْفِعْل التَّقْرِير اتَّصل سَنَده أم لَا هُوَ الْمَرْفُوع فَدخل الْمُتَّصِل والمرسل والمنقطع والمعضل وَالْمُعَلّق وَخرج الْمَوْقُوف والمقطوع وَسمي بذلك لارْتِفَاع رتبته بإضافته للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم .
وأما القسم الخامس الحَدِيث الْمَقْطُوع
النص الَّذِي أضيف للتابع يسمى المقطوع كقول الراوي قال سعيد بن المسيب ، أو قال نافع ، أو قال الحسن البصري ، أو قال عطاء بن أبي رياح  ونحو ذلك وَكَذَا من دونهم قولا أَو فعلا حَيْثُ خلا عَن قرينَة الرّفْع وَالْوَقْف هُوَ الْمَقْطُوع وَهُوَ لَيْسَ بِحجَّة إِذْ ذَاك أما إِن كَانَ فِيهِ قرينَة تدل على الرّفْع فمرفوع حكما كَقَوْل الرَّاوِي عَن التَّابِعِيّ من السّنة ، أَو قرينَة تدل على الْوَقْف فموقوف كقول الراوي كان الصحابة يفعلون كذا. والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .

دروس البيقونية ( 3 )

تقديم الشيخ : محمد ولد المصطفى الأنصاري
الدرس الثالث من شرح كتاب البيقونية في مصطلح الحديث
القسم الثالث الحَدِيث الضَّعِيف
قال المؤلف رحمه الله  :
وكُلُّ ما عَنْ رُتبةِ الُحسْنِ قَصْر ... فَهْوَ "الضعيفُ" وهوَ أقْسَاماً كُثُرْ.

الشرح :
الأصل في الحديث إما صحيح أو ضعيف ويشهد لذلك القرآن قال الله تعالى فما بعد الحق إلا الضلال
وأول من قسم الحديث إلى صحيح وحسن وضعيف الترمذي وأفرد أبو داود الحديث المرسل بالتأليف فألف كتابه المراسيل ثم الحاكم في كتابه علوم الحديث وابن الصلاح توسعا في تلك التقسيمات ، وكل حَدِيث قصر وانحط عَن رتبة الحديث الصحيح والحسن فَهُوَ الحَدِيث الضَّعِيف وَيُقَال لَهُ الْمَرْدُود لِأَنَّهُ لا يحتج بِهِ  فِي الأحكام الشَّرْعِيَّة وَهُوَ أقساما كثيرة ، أوصلها بَعضهم إِلَى أكثر من ثلاثمائة قسماً .                ولا يجوز نقل الحديث الضعيف ، أو التحدث به ، إلا مبيناً ضعفه، لأن الذي ينقل الحديث الضعيف للناس بدون أن يبين ضعفه ، فهو أحد الكاذبين لما روى المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه  وسلم : " من حدث عني بحديث، يرى أنه كذب، فهو أحد الكاذبين" رواه مسلم في الصحيح . ولما روى  أبو هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه  وسلم :" من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار" متفق عليه . ولحديث علي رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه و سلم :" لا تكذبوا علي فإنه من كذب علي فليلج النار " متفق عليه .
ولا تجوز رواية الحديث الضعيف إلا بشرط واحد وهو أن يبين ضعفه للناس.  واستثنى بعض العلماء الأحاديث التي تُروى في الترغيب والترهيب، فأجازوا رواية الضعيف منها لكن بأربعة شروط:
1 - أن يكون الحديث في الترغيب والترهيب.
2 - ألا يكون الضعيف شديد الضعف ، فإن كان شديداً فلا تجوز روايته، ولو كان في الترغيب والترهيب.
3 - أن يكون الحديث له أصل صحيح ثابت في الكتاب أو السنة، مثاله: لو جاءنا حديث يرغِّب في بر الوالدين، وحديث آخر يرغب في صلاة الجماعة، وآخر يُرغب في قراءة القرآن وكلها أحاديث ضعيفة، ولكن قد ورد في بر الوالدين، وفي صلاة الجماعة، وفي قراءة القرآن أحاديث صحيحة ثابتة  في السنة المطهرة .
4 - ألا يعتقد أن النبي صلى الله عليه وسلّم قاله، لأنه لا يجوز أن يعتقد أن النبي صلى الله عليه وسلّم قاله إلا إذا كان حديثاً ثابتاً صحيحاً .
والحمد لله ففي القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة الصحيحة، ما يغني عن هذه الأحاديث الضعيفة والموضوعة . والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً .

دروس البيقونية ( 2 )

تقديم الشيخ : محمد ولد المصطفى الأنصاري
الدرس الثاني من شرح كتاب البيقونية في مصطلح الحديث
القسم الثاني الحديث الحسن
قال المؤلف رحمه الله :
والَحسَنُ المعروفُ طُرْقاً وَغَدَتْ ** رِجَالُهُ لاَ كالصّحيحِ اشْتَهَرَتْ.
الشرح :
الحسن لغة: مأخوذ من الحسن بمعنى الجمال وهو ضد القبيح .
 الحديث الْحسن ، تَعْرِيفه : هو ما رواه عدلٌ، خفيف الضبط، بسند متصل، وخلا من الشذوذ، والعلة القادحة، ولذلك فالحسن في مرتبة أدنى من مرتبة الصحيح. وغدت أَي: صَارَت رِجَاله أَي مخرجوه مشتهرة بِالْعَدَالَةِ والضبط لا كاشتهار رجال الصَّحِيح بل اشتهاراً أقل من ذَلِك وَعلم من هَذَا أَن الْحسن يُشَارك الصَّحِيح فِي اتِّصَال سَنَده والسَّلامَة من الشذوذ وَمن الْعلَّة وعدالة رُوَاته وضبطهم وان لم يصلوا دَرَجَة رُوَاة الصَّحِيح.
الفرق بين الصحيح والحسن
هناك فرق واحد وهو: أن الحديث الحسن يكون فيه الراوي خفيف الضبط، مع توفر شروط الحديث الصحيح من اتصال السند، وعدالة الرواة، وعدم الشذوذ، وعدم العلة، إلا أن الرواة في الحسن خفيفي الضبط، وفي الصحيح تامي الضبط، ولذالك فالحد الْجَامِع لِلْحسنِ هُوَ مَا اتَّصل سَنَده بِنَقْل عدل ضَابِط قل ضَبطه قلَّة لَا تلْحقهُ بِحَال من يعد تفرده مُنْكرا وَسلم من الشذوذ وَمن الْعلَّة فبقوله اتَّصل سَنَده دخل الصَّحِيح وبنقل عدل ضَابِط قل ضَبطه خرج الصَّحِيح وَمَا ذكر هُوَ الْحسن لذاته.
وَأما الْحسن لغيره فَهُوَ مَا فِي اسناده مَسْتُور لم تتحق أَهْلِيَّته غير أَنه لم يكن مغفلا وَلَا كثير الْخَطَأ فِيمَا يرويهِ وَلَا مُتَّهمًا بِالْكَذِبِ وَلَا ينْسب إِلَى مفسق آخر وتقوى بمتابع أَو شَاهد ، والمتابع هو : مَا رُوِيَ بِاللَّفْظِ ، وَالشَّاهِد هو : مَا رُوِيَ بِالْمَعْنَى ، والله أعلم ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .

دروس البيقونية ( 1 )

تقديم الشيخ : محمد ولد المصطفى الأنصاري
الدرس الأول من  شرح كتاب البيقونية في مصطلح الحديث
القسم الأول : الحديث الصحيح
قال المؤلف رحمه الله :
أوَّلُها "الصحيحُ" وهوَ ما اتَّصَلْ ** إسنادُهُ ولْم يَشُذّ أو يُعلّ
يَرْويهِ عَدْلٌ ضَابِطٌ عَنْ مِثْلِهِ ** مُعْتَمَدٌ في ضَبْطِهِ ونَقْلهِ
بدأ المؤلف رحمه الله : بذكر أقسام الحديث وقدَّم الصحيح لأنه أشرف أقسام الحديث، ثم عرَّفه بأربعة شروط وهي التالية : الأول : اتصال السند . الثاني: عدم الشذوذ . الثالث عدم العلة. الرابع: عدالة الرواة.
واتصال السند معناه : رواية التلميذ عن شيخه سماعا مباشرة ، وهكذا كل يروي عن شيخه سماعا  مباشرة ، ويخرج بذلك المنقطع، وهو ما انقطع من أحد طبقات السند راو واحد. وخرج المعضل وهو ما سقط من أحد طبقات السند راويان ، وخرج أيضاً المعلق، وهو أن يسقط رجال من أول السند، وخرج المرسل وهو ما سقط فيه رجال من مؤخرة السند.
 ولم يُشذَّ أو يُعَل" يعني يشترط أن لا يكون شاذًّا ولا معللاً.
والشاذُّ هو: الذي يرويه الثقة مخالفاً لمن هو أرجح منه، إما في العدد، أو في الصدق، أو في العدالة.
قوله: "أو يُعَلَّ" معناه أي يُقدح فيه بعلة تمنع قبوله، فإذا وجدت في الحديث علة تمنع قبوله ، والعلة وصفٌ يوجب خروج الحديث عن القبول.
يَرْويهِ عَدْلٌ ضَابِطٌ عَنْ مِثْلِهِ ** مُعْتَمَدٌ في ضَبْطِهِ ونَقْلهِ
والعدالة: ملكة تكون في المرء باعثة له على التقوى والمروءة ، والصدق وعدم الكذب، والاستقامة على شرع الله  عز وجل . ضبط الرواة : والضبط معناه: أن يعي المحدث الحديث الذي سمعه من شيخه ويتقنه ويضبطه حتى إذا طلب منه استدعاء هذا الحديث يرويه كما هو ولا يسقط منه حرفاً، والضبط ضبطان: ضبط صدر وضبط كتابة.
أما ضبط الصدر فهو استيعاب الحديث في الصدر بحيث إذا أراد المرء أن يأتي به أتى به على تمامه، وقد قالوا: حدثنا الزهري فلما راجعناه بعد سنين بالحديث حدث به كما حدث به في أول مرة ما أسقط منه حرفاً واحداً. وهذا الضابط يستقى من قول النبي صلى الله عليه وسلم: (نضر الله امرأً سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها)، فهذا الحديث  دليل على الضبط، ولذلك كان ابن عمر إذا سمع راوياً يزيد واواً في الحديث يقول: ليست في الحديث. وأما ضبط الكتاب: وهو أن يكون التلميذ من أهل الكتابة، فيحضر درس الحديث عند المحدثين ويكتب كل حديث يمليه الشيخ، أو يكتب كل حديث قرئ على الشيخ.
والإسناد من فخر هذا الدين، ومن محاسن هذه الشريعة الغراء.
قال سفيان الثوري :الإسناد سلاح المؤمن إذا لم يكن معه سلاح فبأي شيء يقاتل .
قال عبد الله بن المبارك : الإسناد من الدين ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء .

مقدمة في علم السنة

تقديم الشيخ : محمد ولد المصطفى الأنصاري
نبذة عن أول من دون السنة وعن دواوين السنة المعتبرة
أول من دون السنة النبوية
أول من اعتنى بجمع الأحاديث النبوية وتدوين الأحاديث محمد بن مسلم الزهري شيخ مالك رحمهما الله  وكان بحراً في العلوم ثقة، وكان واسع العلم في الحديث وهو أول من دون الأحاديث بأمر من الخليفة عمر بن عبد العزيز رحمهما الله .
مصارد التشريع أربعة وهي :
الكتاب والسنة والإجماع والقياس ، الثلاثة الأولى بإجماع الأمة والخلاف في القياس عند الظاهرية .
نبذة مختصرة عن أهم دواوين السنة
الكتب الستة هي البخاري ومسلم وسنن أبي داود وسنن النسائي وسنن الترمذي وسنن ابن ماجة.
والكتب التسعة هي الستة السابقة مع الموطأ ثم المسند ثم سنن الدارمي، وكتاب البخاري يسمى الجامع الصحيح، وصحيح مسلم اسمه الجامع الصحيح المسند، وسنن الترمذي اشتهر على ألسنة الناس تسميته بالسنن، واسمه الحقيقي الجامع الصحيح، والبقية تسمى سنناً: وهي سنن ابن ماجة وسنن النسائي، وسنن أبي داود. وترتيبها في الصحة: البخاري ثم مسلم، خلافاً للمغاربة الذي يقدمون مسلماً على البخاري، ثم سنن أبي داود ثم الترمذي ثم النسائي ثم ابن ماجة. قال العلماء: مراتب الصحة كالتالي: ما اتفق عليه الشيخان، ثم ما انفرد به البخاري، ثم ما انفرد به مسلم، ثم ما كان على شرطهما شرط البخاري ومسلم -، ثم ما كان على شرط البخاري، ثم ما كان على شرط مسلم، ثم ما كان في السنن الأربع.
وسنن أبي داود تقدم على سنن الترمذي، مع أن سنن أبي داود اهتمت بأحاديث الأحكام، وليس فيها أحاديث الفضائل والزهد، وسنن أبي داود تجمع الصحيح والحسن والضعيف. لكن هناك نكتة في كتاب سنن أبي داود، وهي الأحاديث التي سكت عنها، فـالنووي يعتمد على سكوت أبي داود ويجعله تصحيحاً لما سكت عنه، والصحيح الراجح أن سكوت أبي داود ليس تصحيحاً للحديث، بل لا بد أن يبحث في الأحاديث التي سكت عنها ليحكم عليها بالصحة أو الضعف. وبعده سنن الترمذي، فقد اهتم الترمذي كثيراً بالعلل؛ لأنه كان تلميذاً للبخاري، والبخاري كان أقوى الناس في مسألة العلل، واستفاد ذلك من شيخه علي بن المديني، فكان الترمذي يأخذ منه هذا العلم؛ ولذلك ترى شرح علل الترمذي لـ ابن رجب مستقى من هذا الكتاب.
وأما النسائي فإنه يأتي بالأسانيد الكثيرة؛ والباحث الذي يريد أن يبحث عن أسانيد كثيرة يجدها في سنن النسائي. أما سنن ابن ماجة فهو أقل السنن الأربع مرتبة على الإطلاق؛ لكثرة الأحاديث الضعيفة فيه كما ذكر ذلك العلماء .
أما الموطأ للإمام مالك فقد قال فيه الشافعي: أصح كتاب بعد كتاب الله هو موطأ الإمام مالك، وهو كتاب عظيم جليل لكن فيه بلاغات، والبلاغ هو إسقاط السند فيروي عن ابن عباس أو عن أبي هريرة أو عن نافع، فيقول: بلغني عن نافع، بلغني عن ابن عباس، بلغني عن أبي هريرة، ولا يذكر الإسناد، وهذه البلاغات ضعيفة إلا إذا نظرنا إلى الإسناد فنحكم عليه بالصحة أو الضعف وقد أوصلها ابن عبد البر في كتابه التمهيد سوى أربع بلاغات ثم قال كل بلاغات مالك في موطئه مسندة إلا أربعة أحاديث فإنها لم توجد في شيء من كتب العلماء إلا في الموطأ أو من نلقها منه كالشافعي في كتاب الاستسقاء عن إبراهيم بن أبي يحيى عن إسحاق بن عبد الله أن النبي قال إذا نشأت بحرية ثم أستحالت شامية فهو أمطر لها الحديث . الثاني قوله إني أنسى أو أنسى لأسن ، الثالث قول معاذ آخر ما أوصاني به رسول الله حين وضعت رجلي في الغرز أن حسن خلقك للناس يا معاذ بن جبل ، الرابع أنه رأى أعمار الناس أو ما شاء الله منها فكأنه تقاصر أعمار أمته فأعطاه الله ليلة القدر . وقد أوصل هذه البلاغات ابن الصلاح رحمه الله في رسالة خاصة .
وتوجيه قول الشافعي: أصح كتاب بعد كتاب الله هو موطأ الإمام مالك، أن الشافعي من طبقة شيوخ الإمام البخاري، فلم يصنف الإمام البخاري كتابه في حياة الشافعي. ومسند الإمام أحمد بن حنبل من أجمع الكتب للمسانيد، بدأ فيه بمسند أبي بكر ثم بقية العشرة المبشرين بالجنة، ثم بعد ذلك مسانيد الصحابة، قال أحمد لابنه عبد الله: إن هذا الكتاب سيكون مصدراً يرجع إليه الناس في سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد كان ذلك، لكن أخذ عليه بعض العلماء أن فيه أحاديث موضوعة، وقد ذكرها ابن الجوزي، ورد عليه ابن حجر في كتاب الذب المسدد عن المسند، والصحيح أن فيه الصحيح والحسن والضعيف، ويغلب عليه الصحة والحسن، والمسند فيه كثير من الأحاديث الصحيحة والحسنة، وفيه أيضاً بعض الأحاديث الضعيفة.
وسنن الدارمي فيه الصحيح والحسن والضعيف، ويغلب عليه الحسن والضعيف.

السبت، 24 فبراير 2018

دروس الأخضري ( 52 )

الدرس الثاني  والخمسون من شرح كتاب الأخضري رحمه الله                                                                    تقديم الشيخ : محمد ولد المصطفى الأنصاري
      قال المؤلف رحمه الله:                                                                                                                    مسائـل في السـهو                                                                                                                                     وَمَنْ تَنَهَّتَ بِلاَ حَرْفٍ فَلاَ  ** شَيْءَ عَلَيْهِ وَبِحَرْفٍ أَبْطَلاَ                                                                              وَإِنْ سَهَى الإِمَامُ زَادَ أَوْ نَقَصْ   ** سَبَّحَ مَأْمُومٌ بِهِ وَلاَ يُقَصْ                                                                      إِلاَّ إِذَا قَامَ مِنِ اثْنَتَيْنِ   **  وَفَارَقَ الْمَوْضِعَ بِالْيَدَيْنِ                                                                                      فَقُمْ إِذَا جَلَسَ فِي أُولاَهَا   ** وَلاَ تَقُمْ عَنْ سَجْدَةٍ خَلاَّهَا                                                                           فَإِنْ تَخَفْ عَقْدَ الرَّكُوعِ فَقُمِي   ** وَلاَ تُجَالِسْهُ وَإِنْ يُسَلِّم.                                                                   قَضَيْتَ مَا أَلْغَيْتَ بَانِياً وَزِدْ   ** قَبْلَ السَّلاَمِ سَجْدَتَيْنِ لاَ تُعِدْ.                                                                       وَمَنْ لَّهُ جَمَاعَةٌ يُقَدِّمُ   ** مُسْتَخْلَفاً نَدْباً يُتِمُّ بِهِمُ                                                                                       وَإِنْ يَقُمْ لِزَائِدٍ بِهِ اقْتَدَى  ** مَنْ أَيْقَنَ الْمَوْجِبَ أَوْ تَرَدَّدَا.                                                                           وَمَنْ تَيَقَّنَ الزِّيَادَةَ جَلَسْ  ** وَبَطَلَتْ لِكُلِّ مَنْ خَالَفَ الأُسْ                                                                           إِلاَّ إِذَا ظَهَرَ أَنَّ مَا اجْتَرَحْ  ** وَافَقَ مَا فِي نَفْسِ الأَمْرِ فَتَصِحْ                                                                             وَإِنْ يُسَلِّمْ قَبْلَ رُكْنٍ فَعَلَى  ** مَنْ خَلْفُ تَسْبِيحٌ بِهِ وَكَمَّلاَ                                                                            وَجَا بَبَعْدِيٍّ وَإِنْ شَكَّ الإِمَامْ   ** سَأَلَ عَدْلَيْنِ وَقَدْ جَازَ الْكَلاَمْ                                                                             وَإِنْ تَيَقَّنَ الْكَمَالَ عَمِلاَ   ** عَلَى الْيَقِينِ تَارِكاً مَنْ عَدَلاَ                                                                                    إِلاَّ لِكَثْرَتِهِمُ فَيَدَعُ   **      يَقِينَهُ وَلِلْعُدُولِ يَرْجِعُ                                                                                         وَالْحَمْدُ للهِ الْعَلِيِّ ظَاهِراً  **  وَبَاطِناً وَأَوَّلاً وَآخِراً                                                                                   وَوَافَقَ الْفَرَاغُ مِنْهُ سَبْتاً   ** فِي عَامِ هَضْقَشٍ جَنُوبَ سِبْتَا .
الشرح :
ومن تنهت في صلاته فلا شيء عليه إلا أن ينطق بحروف فإذا نطق بالحروف صار حكمه حكم الكلام يبطل عمده ويغتفر سهوه إلا أنه يسجد بعد السلام. وإذا سها الإمام زاد في صلاته أو نقص سبح له المأموم ولا يتبعه في الزيادة ولا يفعل النقص في صلبه ، والتسبيح في الصلاة للرجال والتصفيق للنساء قال عليه الصلاة والسلام «إِذَا نَابَكُمْ شَيْءٌ فِي الصَّلَاةِ فَلْيُسَبِّحِ الرِّجَالُ، وَلْيُصَفِّحِ النِّسَاءُ» رواه أبو داود والنسائي وابن حبان وصححه الألباني . وعن سهل بن سَعد الساعِدِيّ رضي الله عنه: أنَّ رَسُول الله  صلى الله عليه وسلم بَلَغَهُ أنَّ بَني عَمرو بن عَوْفٍ كَانَ بَيْنَهُمْ شَرٌّ، فَخَرَجَ رسولُ الله  صلى الله عليه وسلم - يُصْلِحُ بَينَهُمْ في أُنَاس مَعَهُ، فَحُبِسَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم وَحَانَتِ الصَّلاة، فَجَاءَ بِلالٌ إِلَى أَبي بكر رضي الله عنهما، فَقَالَ: يَا أَبا بَكْر، إنَّ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم - قَدْ حُبِسَ وَحَانَتِ الصَّلاةُ فَهَلْ لَكَ أَنْ تَؤُمَّ النَّاس؟ قَالَ: نَعَمْ، إنْ شِئْتَ، فَأقَامَ بِلالٌ الصَّلاةَ، وتَقَدَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَكَبَّرَ وَكَبَّرَ النَّاسُ، وَجَاءَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَمشي في الصُّفُوفِ حَتَّى قَامَ في الصَّفِّ، فَأَخَذَ النَّاسُ في التَّصْفيقِ، وَكَانَ أَبُو بكرٍ رضي الله عنه - لاَ يَلْتَفِتُ في الصَّلاةِ، فَلَمَّا أكْثَرَ النَّاسُ في التَّصْفيقِ الْتَفَتَ، فإِذَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم - فَأَشَارَ إِلَيْه رسولُ الله  صلى الله عليه وسلم - فَرَفَعَ أَبُو بَكْر رضي الله عنه  يَدَهُ فَحَمِدَ اللهَ، وَرَجَعَ القَهْقَرَى  وَرَاءهُ حَتَّى قَامَ في الصَّفِّ، فَتَقَدَّمَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - فَصَلَّى للنَّاسِ، فَلَمَّا فَرَغَ أقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، فَقَالَ: «أيُّهَا النَّاسُ، مَا لَكُمْ حِينَ نَابَكُمْ شَيْءٌ في الصَّلاةِ أخَذْتُمْ في التَّصفيق؟ إِنَّمَا التَّصفيق للنِّساء، مَنْ نَابَهُ شَيْءٌ في صَلاتِهِ فَلْيَقُلْ: سُبْحَانَ الله، فَإِنَّهُ لاَ يَسْمَعُهُ أحدٌ حِينَ يقُولُ: سُبْحَانَ الله، إلاَّ الْتَفَتَ. يَا أَبَا بَكْر: مَا مَنَعَكَ أَنْ تُصَلِّي بالنَّاسِ حِينَ أشَرْتُ إلَيْكَ؟»، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا كَانَ يَنْبَغي لابْنِ أَبي قُحَافَةَ أَنْ يُصَلِّي بالنَّاسِ بَيْنَ يَدَيْ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم. مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.  وإذا قام الإمام من ركعتين أي تزحزح للقيام فيسبح له المأموم فإن تذكر ورجع قبل أن يفارق الأرض بيديه وركبتيه فبها فإن لم يرجع واستقل قائماً يتبعه من خلفه ويسجد قبل السلام  ، وإذا جلس الإمام في غير محل الجلوس كما إذا جلس في الأولى أو الثالثة فإن المأموم لا يوافقه على هذا الجلوس، إذ هو لم يشرع في هذا المحل، ويؤمر بالقيام ويسبح للإمام لعله يتذكر. وإذا سجد الإمام سجدة واحدة وترك الثانية فيسبح له المأموم ولا يقم معه ، إلا أن يخاف عقد ركوعه فيتبعه ولا يجلس بعد ذلك معه ، لا في الثالثة ولا في الرابعة، فإذا سلم فليزد ركعة أخرى بدلا من الركعة التي ألغاها بانياً في الأقوال والأفعال، ويسجد قبل السلام، فإن كانوا المأمون جماعة فالأفضل لهم في هذه الحالة أن يقدموا واحداً منهم يتم بهم الصلاة وهذا الذي مشى عليه المصنف مذهب سحنون وهو ضعيف ، والمتعتمد هو مذهب ابن القاسم أنه إن لم يفهم الإمام بالتسبيح يسجد المأمومون لأنفسهم ولا يتبعونه في تركها وإلا بطلت عليهم ويجلسون معه ويسلمون بسلامه فإذا تذكر الإمام ورجع لسجوده قبل أن يركع فلا يعيدونها معه على الأصح فإن أعادوها معه فلا بطلان ولا فرق بين أن تكون الأولى أو غيرها كما في الدسوقي وسواء انفرد الإمام بالسهو أو شاركه بعض المأمومين .          
وَإِنْ يَقُمْ لِزَائِدٍ بِهِ اقْتَدَى  ** مَنْ أَيْقَنَ الْمَوْجِبَ أَوْ تَرَدَّدَا. وإذا زاد الإمام لركن زائد يقتدي به من أيقن الموجب أي السبب أو ظنه أو توهمه أو شك أو تردد فكل من اتصف بهذه الصفات من المأمومين يجب عليه متابعة الإمام ، ومن تيقن الزيادة يجب عليه أن يسبح للإمام  ولا يتابعه فإن لم يسبح له أو تابعه في الزيادة بطلت صلاته لأنه بعدم تسبيحه له صار كمتعمد الزيادة فإن لم يفهم بالتسبيح أشاروا إليه فإن لم يفهم كلموه ويجب عليه الرجوع لقولهم إن تيقن صدقهم أو شك فيه فإن لم يفعل بطلت عليه .  بطلت صلاة كل من خالف من الفريقين أي المتيقن والمتردد إلا إذا ظهر أنما فعله من المخالفة موافق لما في نفس الأمر فتصح صلاته قال الحطاب: الظاهر صحة صلاته ولا تضره المخالفة . وإذا سلم الإمام قبل كمال الصلاة سبح له من خلفه، فإن صدقه كمل صلاته وسجد بعد السلام، وإن شك في خبره سأل عدلين وجاز لهما الكلام في ذلك فإن أخبراه بأنه نقص من صلاته ركعة مثلاً رجع إلى قولهما إن تيقن صدقهما فإن لم يتيقن صدقهما أو شك فيه فلا يرجع إليهما بل يبني على ما تيقنه من الإتمام على يقينه وترك العدلين، إلا أن يكثر الناس خلفه فيترك يقينه ويرجع إليهم بحيث يفيد خبرهم العلم الضروري فإنه يرجع إليهم ولو تيقن خلاف ما أخبروه به .                    
وَالْحَمْدُ للهِ الْعَلِيِّ ظَاهِراً@@ وَبَاطِناً وَأَوَّلاً وَآخِراً                                                                                   وَوَافَقَ الْفَرَاغُ مِنْهُ سَبْتاً   ** فِي عَامِ هَضْقَشٍ جَنُوبَ سِبْتَا .
الشرح :
الحمد لله الحمد هو : وصف المحمود بالكمال مع المحبة، والتعظيم؛ الكمال الذاتي، والوصفي، والفعلي؛ فهو كامل في ذاته، وصفاته، وأفعاله؛ و"أل" في { الحمد } للاستغراق: أي استغراق جميع المحامد.وقوله { لله }: اللام للاختصاص، والاستحقاق؛ و"الله" اسم ربنا عزّ وجلّ؛ لا يسمى به غيره؛ ومعناه: المألوه . أي المعبود بالحق حباً، وتعظيماً. والعلي بالمنزلة المنزه عن الضد والند والشبيه . وأحمد الله ظاهراً وباطناً كما قال تعالى وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة وأحمد الله أولاً وآخراً . ووافق الفراغ منه سبتا أي أحد أيام الأسبوع فِي عَامِ هَضْقَشٍ جَنُوبَ سِبْتَا أي في عام 1195 عدد نقط حروف هضقش الهاء والضاد والقاف والشين . ونقط الحروف معروف عند العرب الهاء 5 خمسة والضاد 90تسعون  والقاف مائة والشين 1000ألف . جنوب سبتا أي ظرف مكان . وتنقيط الحروف فيه خلاف بسيط بين المشارقة والمغاربة بسبب تقديم الحروف بعضهم على بعض وبذلك يختلف تنقيط بعضها . قال ابن تيمية رحمه الله : َقَدْ تَنَازَعَ النَّاسُ فِي أَبْجَد هوز حُطِّي فَقَالَ طَائِفَةٌ هِيَ أَسْمَاءُ قَوْمٍ قِيلَ أَسْمَاءُ مُلُوكِ مَدْيَنَ أَوْ أَسْمَاءُ قَوْمٍ كَانُوا مُلُوكًا جَبَابِرَةً. وَقِيلَ: هِيَ أَسْمَاءُ السِّتَّةِ الْأَيَّامِ الَّتِي خَلَقَ اللَّهُ فِيهَا الدُّنْيَا. وَالْأَوَّلُ اخْتِيَارُ الطبري.                                                          وإلى هنا انتهيت من شرح كتاب الأخضري في الفقه المالكي في مساء ليلة الخميس بعد صلاة المغرب في المدينة النبوية بالمسجد النبوي في22 /12 / 1438هـ الثاني والعشرين من شهر ذي الحجة عام ألف وأربعمائة وثمانية وثلاثين  من الهجرة النوبية ، أسأل الله عز وجل أن يجعله خالصاً لوجهه الكريم وأن ينفع به من قرأه إنه ولي ذلك والقادر عليه ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً ، اللهم إننا نسألك الهدى والتُّقى والعفاف والغِنَى ، اللهم إننا أسألك إيماناً لا يرْتَدّ، ونعيماً لا ينفدُ، ومرافقةَ النبي صلى الله عليه وسلم في أعلى غرف الجنة، جنةِ الخُلد ، اللَّهُمَّ إِنِّنا  نسأَلك مُوجبَات رحمتك وعزائم مغفرتك وَالْغنيمَة من كل بر، والسلامة من كل إِثْم  اللهم لا تدع لنا ذَنبا إِلَّا غفرته، وَلَا هما إِلَّا فرجته؛ وَلَا حَاجَة هِيَ لَك رضَا إِلَّا قضيتها ويسرتها .

دروس الأخضري ( 51 )

الدرس الواحد والخمسون من شرح كتاب الأخضري رحمه الله                                                                    تقديم الشيخ : محمد ولد المصطفى الأنصاري
      قال المؤلف رحمه الله:                                                                                          
الفرق بين السهو في الفرائض والنوافل                                                                                               وَاعْلَمْ بِأَنَّ السَّهْوَ فِي النَّوَافِلِ   ** كّالسَّهْوِ فِي الْفَرْضِ سِوَى مَسَائِلِ                                                                     فَاتِحَةٍ وَسُورَةٍ جَهْرٍ وَسِرْ   ** وَزَيْدِ رَكْعَةٍ وَرُكْنٍ إِنْ خَسِرْ                                                                                فَذَاكِرٌ فَاتِحَةً مِن نَّفْلٍ إِنْ   **  عَقَدْ تَمَادَى مَعَ قَبْلِيٍّ وَمِنْ                                                                                 فَرِيضَةٍ أَلْغَى وَزَادَ أُخْرَى   ** وَيَتَمَادَى وَالسُّجُودُ مَرّا                                                                    وَذَاكِرٌ فِي النَّفْلِ بَعْدَمَا عَقَدْ   ** سُورَةً أَوْ سِراً وَجَهْراً مَا سَجَدْ                                                                            وَذَاكِرٌ فِي النَّفْلِ قَبْلَ عَقَدِ   ** ثَالِثَةٍ رَجَعْ عَلَيْهِ الْبَعْدِ                                                                        وَإِنْ عَقَدْ ثَالِثَةً تَهَيا   ** لأَرْبَعٍ وَسَجَدَ الْقَبْلِيَا                                                                                              بِعَكْسِ فَرْضِهِ فَيَرْجِعُ مَتَى   ** ذَكَرَهُ ثُمَّ بِبَعْدِيٍّ أَتَى                                                                                       وَذَاكِرٌ مِثْلَ رُكُوعٍ وَسُجُودْ   ** مِنْ بَعْدِ طُولٍ وَسَلاَمٍ لاَ يُعِيدْ                                                                                    نَفْلاً وَفِي الْفَرْضِ يُعِيدُ أَبَداً  ** كَمُبْطِلٍ نَافِلَةً تَعَمُّدَا .
الشرح :
حكم السهو في النافلة كحكمه في الفريضة إلا في ست مسائل أي : أن حكم السهو في النافلة مثل حكمه في الفريضة، فمن سها في النافلة بزيادة يسيرة، سواء كانت من غير أقوال الصلاة كالتكلم ساهياً، أو كانت من جنس أفعال الصلاة كالركوع والسجود، فليسجد للسهو سجدتين بعد السلام، وانفرد ابن سيرين رحمه الله فقال لا سجود في النافلة ، والدليل على طلبه في النافلة عموم حديث ثوبان رضي الله عنه عن النبيِّ  صلى الله عليه وسلم  قال: "لِكُلِّ سهوٍ سجدتانِ بعد ما يُسَلِّم"  رواه أبو داود وأحمد وابن ماجه وحسنه الألباني .                               والمسائل التي تخالف النافلة فيها الفريضة خمسة وزاد المصنف مسألة سادسة وهو قوله:" الفاتحة" وهي من مفردات المصنف التي انفرد بها عن غيره وبانضمام زيادة المصنف تصبح المسائل ستة وهي : الفاتحة، والسورة، والسر، والجهر، وزيادة ركعة، ونسيان بعض أركان الصلاة إن طال الوقت ، فمن نسي الفاتحة في النافلة وتذكر بعد الركوع تمادى وسجد قبل السلام، بخلاف الفريضة فإنه يلغي الركعة ويزيد أخرى ويتمادى ويكون سجوده بعد السلام . والصحيح أن الفاتحة واجبة على كل مصل سواء في ذلك الفريضة والنافلة ولا تجبر بسجود السهو لحديث عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لاَ صَلاَةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ» متفق عليه .وقال عليه الصلاة والسلام للمسيء صلاته بعد أن أمره بقراءة الفاتحة وعلمه أركان الصلاة : ثم افعل ذلك في صلاتك كلها»." متفق عليه . ومن نسي السورة أو جهر في محل سر أو أسر في محل جهر في النافلة وتذكر بعد الركوع تمادى ولا سجود عليه، بخلاف الفريضة فإن من ترك واحداً من هذه الثلاثة في الفريضة سهواً ولم يتذكر إلا بعد عقد الركوع، فإنه يتمادى على صلاته ويتمها ويسجد قبل السلام إن كان السهو عن نقص كترك الجهر أو السورة وبعد السلام إن كان عن زيادة كمن جهر في السر. ومن قام إلى ثالثة في النافلة، فإن تذكر قبل عقد الركوع رجع إلى الجلوس وتشهد وسلم وسجد بعد السلام للزيادة ، وإن عقد الثالثة تمادى وزاد الرابعة وسجد قبل السلام لنقص السلام من ركعتين بخلاف الفريضة فإنه يجب عليه أن يرجع إلى صلاته مطلقا سواء تذكر بعد عقد ركوع الركعة التي زادها أو قبل عقد ركوعها، فلو تمادى وتم الركعة الزائدة بطلت صلاته ويسجد بعد السلام للزيادة . ومن نسي ركناً من النافلة كالركوع أو السجود ولم يتذكر حتى سلم وطال الوقت فلا إعادة عليه  بخلاف الفريضة فإنه يعيده الصلاة أبداً . وكذلك من قطع النافلة عامداً أو ترك منها ركعة أو سجدة عامداً يجب عليه إعادتها أبداً بناء على أن النوافل تلزم بالشروع، فمن شرع فيها لزمته، فإذا أفسدها بإخلال ركن منها عمداً أو تعمد قطعها لزمه أن يأتي ببدلها لوجوبها عليه وجوب الفرائض بمجرد الشروع فيها، لأنه ألزم نفسه بها ولا تبرأ ذمته إلا بفعلها صحيحة . وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً ، اللهم إننا نسألك الهدى والتُّقى والعفاف والغِنَى ، اللَّهُمَّ إِنِّنا  نسأَلك مُوجبَات رحمتك وعزائم مغفرتك وَالْغنيمَة من كل بر، والسلامة من كل إِثْم  اللهم لا تدع لنا ذَنبا إِلَّا غفرته، وَلَا هما إِلَّا فرجته؛ وَلَا حَاجَة هِيَ لَك رضَا إِلَّا قضيتها ويسرتها.

دروس الأخضري ( 50 )

الدرس الواحد والخمسون من شرح كتاب الأخضري رحمه الله                                                                   تقديم الشيخ : محمد ولد المصطفى الأنصاري
        قال المؤلف رحمه الله:                                                                                          
الفرق بين السهو في الفرائض والنوافل                                                                                               وَاعْلَمْ بِأَنَّ السَّهْوَ فِي النَّوَافِلِ   ** كّالسَّهْوِ فِي الْفَرْضِ سِوَى مَسَائِلِ                                                                     فَاتِحَةٍ وَسُورَةٍ جَهْرٍ وَسِرْ   ** وَزَيْدِ رَكْعَةٍ وَرُكْنٍ إِنْ خَسِرْ                                                                               فَذَاكِرٌ فَاتِحَةً مِن نَّفْلٍ إِنْ   **  عَقَدْ تَمَادَى مَعَ قَبْلِيٍّ وَمِنْ                                                                         فَرِيضَةٍ أَلْغَى وَزَادَ أُخْرَى   ** وَيَتَمَادَى وَالسُّجُودُ مَرّا                                                                                   وَذَاكِرٌ فِي النَّفْلِ بَعْدَمَا عَقَدْ   ** سُورَةً أَوْ سِراً وَجَهْراً مَا سَجَدْ                                                              وَذَاكِرٌ فِي النَّفْلِ قَبْلَ عَقَدِ   ** ثَالِثَةٍ رَجَعْ عَلَيْهِ الْبَعْدِ                                                                                             وَإِنْ عَقَدْ ثَالِثَةً تَهَيا   ** لأَرْبَعٍ وَسَجَدَ الْقَبْلِيَا                                                                                             بِعَكْسِ فَرْضِهِ فَيَرْجِعُ مَتَى   ** ذَكَرَهُ ثُمَّ بِبَعْدِيٍّ أَتَى                                                                                       وَذَاكِرٌ مِثْلَ رُكُوعٍ وَسُجُودْ   ** مِنْ بَعْدِ طُولٍ وَسَلاَمٍ لاَ يُعِيدْ                                                                                    نَفْلاً وَفِي الْفَرْضِ يُعِيدُ أَبَداً  ** كَمُبْطِلٍ نَافِلَةً تَعَمُّدَا .
الشرح :
حكم السهو في النافلة كحكمه في الفريضة إلا في ست مسائل أي : أن حكم السهو في النافلة مثل حكمه في الفريضة، فمن سها في النافلة بزيادة يسيرة، سواء كانت من غير أقوال الصلاة كالتكلم ساهياً، أو كانت من جنس أفعال الصلاة كالركوع والسجود، فليسجد للسهو سجدتين بعد السلام، وانفرد ابن سيرين رحمه الله فقال لا سجود في النافلة ، والدليل على طلبه في النافلة عموم حديث ثوبان رضي الله عنه عن النبيِّ  صلى الله عليه وسلم  قال: "لِكُلِّ سهوٍ سجدتانِ بعد ما يُسَلِّم"  رواه أبو داود وأحمد وابن ماجه وحسنه الألباني .                               والمسائل التي تخالف النافلة فيها الفريضة خمسة وزاد المصنف مسألة سادسة وهو قوله:" الفاتحة" وهي من مفردات المصنف التي انفرد بها عن غيره وبانضمام زيادة المصنف تصبح المسائل ستة وهي : الفاتحة، والسورة، والسر، والجهر، وزيادة ركعة، ونسيان بعض أركان الصلاة إن طال الوقت ، فمن نسي الفاتحة في النافلة وتذكر بعد الركوع تمادى وسجد قبل السلام، بخلاف الفريضة فإنه يلغي الركعة ويزيد أخرى ويتمادى ويكون سجوده بعد السلام . والصحيح أن الفاتحة واجبة على كل مصل سواء في ذلك الفريضة والنافلة ولا تجبر بسجود السهو لحديث عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لاَ صَلاَةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ» متفق عليه .وقال عليه الصلاة والسلام للمسيء صلاته بعد أن أمره بقراءة الفاتحة وعلمه أركان الصلاة : ثم افعل ذلك في صلاتك كلها»." متفق عليه . ومن نسي السورة أو جهر في محل سر أو أسر في محل جهر في النافلة وتذكر بعد الركوع تمادى ولا سجود عليه، بخلاف الفريضة فإن من ترك واحداً من هذه الثلاثة في الفريضة سهواً ولم يتذكر إلا بعد عقد الركوع، فإنه يتمادى على صلاته ويتمها ويسجد قبل السلام إن كان السهو عن نقص كترك الجهر أو السورة وبعد السلام إن كان عن زيادة كمن جهر في السر. ومن قام إلى ثالثة في النافلة، فإن تذكر قبل عقد الركوع رجع إلى الجلوس وتشهد وسلم وسجد بعد السلام للزيادة ، وإن عقد الثالثة تمادى وزاد الرابعة وسجد قبل السلام لنقص السلام من ركعتين بخلاف الفريضة فإنه يجب عليه أن يرجع إلى صلاته مطلقا سواء تذكر بعد عقد ركوع الركعة التي زادها أو قبل عقد ركوعها، فلو تمادى وتم الركعة الزائدة بطلت صلاته ويسجد بعد السلام للزيادة . ومن نسي ركناً من النافلة كالركوع أو السجود ولم يتذكر حتى سلم وطال الوقت فلا إعادة عليه  بخلاف الفريضة فإنه يعيده الصلاة أبداً . وكذلك من قطع النافلة عامداً أو ترك منها ركعة أو سجدة عامداً يجب عليه إعادتها أبداً بناء على أن النوافل تلزم بالشروع، فمن شرع فيها لزمته، فإذا أفسدها بإخلال ركن منها عمداً أو تعمد قطعها لزمه أن يأتي ببدلها لوجوبها عليه وجوب الفرائض بمجرد الشروع فيها، لأنه ألزم نفسه بها ولا تبرأ ذمته إلا بفعلها صحيحة . وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً ، اللهم إننا نسألك الهدى والتُّقى والعفاف والغِنَى ، اللَّهُمَّ إِنِّنا  نسأَلك مُوجبَات رحمتك وعزائم مغفرتك وَالْغنيمَة من كل بر، والسلامة من كل إِثْم  اللهم لا تدع لنا ذَنبا إِلَّا غفرته، وَلَا هما إِلَّا فرجته؛ وَلَا حَاجَة هِيَ لَك رضَا إِلَّا قضيتها ويسرتها.

دروس الأخضري ( 49 )

الدرس التاسع والأربعون من شرح كتاب الأخضري رحمه الله                                                                      تقديم الشيخ :محمد ولد المصطفى الأنصاري  
   قال المؤلف رحمه الله:                                                                                            
وَيَحْمِلُ الإِمَامُ سَهْوَ الْمُقْتَدِي ** إِلاَّ فَرِيضَةً سِوَى الأُمِّ اقْتَدِ                                                                                         وَإِنْ يُزَاحَمْ عَنْ رُكُوعٍ أَوْ غَفَلْ  ** أَوْ نَحْوُهُ فِي غَيْرِ أُولاَهُ حَصَلْ                                                              وَطَمِعَ الإِدْرَاكَ قَبْلَ أَنْ رَفَعْ ** مِنْ سَجْدَةٍ ثَانِيَةٍ فِيهَا رَكَعْ                                                                        وَقَصَّهُ فِيهَا وَإِن لَّمْ يَطْمَعِ   ** طَارَ عَلَيْهِ وَقَضَاهَا فَاسْمَعِ                                                                           وَعَنْ سُجُودٍ لِقِيَامِ الْمُقتَدَى  ** بِهِ إِلَى الرَّكْعَةِ الأُخْرَى سَجَدَا                                                                              إِنْ ظَنَّ إِدْرَاكَ الإِمَامِ قَبْلاَ   ** عَقْدِ رُكُوعِ مَا تَلِى وَإِلاَّ                                                                                         يَثِبْ عَلَيْهِ وَقَضَا أُخْرَى وَلاَ   ** سُجَودَ إِلاَّ حَيْثُ شَكَّ أَنْ غَلاَ                                                              وَمَنْ أَتَتْهُ عَقْرَبٌ فَقَتْلُهُ   ** جَائِزٌ إِلاَّ أَنْ يَطٌولَ فِعْلُهُ                                                                                   أَوْ صَوْبَهُ بِالْقَدَمَيْنِ اسْتَدْبَرَهْ  ** مَنْ شَكَّ هَلْ هُوَ بِوِتْرٍ صَيَّرَهْ                                                                      ثَانِيَةَ الشَّفْعِ وَبَعْدِياً لِمَا  ** ثُمَّةَ أَوْتَرَ وَمَنْ تَكَلَّمَا                                                                                       بَيْنَهُمَا كُرِهَ إِنْ تَعَمَّدَا   ** وَمَا عَلَيْهِ مُطْلَقاً أَنْ يَسْجُدَا.                                                                            وَمُدْرِكٌ مَا دُونَ رَكْعَةٍ فَلاَ   ** يَسْجُدْ مَعَ الإِمَامِ إِلاَّ تَبْطُلاَ                                                                    وَمُدْرِكٌ لِرَكْعَةٍ فَأَكْثَرَا. **  تَلاَهُ فِي قَبْلِيِّهِ وَأَخَّرَا                                                                                    بَعْدَيَهُ حَتْماً وَإِلاَّ أَفْسَدَا   ** إِنْ عَاِمداً لاَ سَاهِياً فَلْيَسْجُدَا.
الشرح :                                                                                                                                                يحمل الإمامُ سهوَ المأمومِ المتعلق بالسنن والفضائل ، وأما أركان الصلاة فإن الإمام لا يتحمل منها إلا الفاتحة فقط والأفضل قراءتها لكل مصل وإذا لم يتمكن المأموم من قراءتها بأن كان مسبوقاً أو نسي قراءتها أو غير ذلك فإن الإمام يحملها عنه . المأموم إذا فاته الركوع مع الإمام بسبب زحمة أو نسيان أو نعاس أو غير ذلك في غير الركعة الأولى فإن طمع في إدراك الإمام قبل رفعه من السجدة الثانية ركع ولحقه حتى يدركه ، وإن لم يطمع في إدراكه  ترك الركوع وتبع إمامه وقضى ركعة بعد سلام إمامه ، أما إن فاته الركوع في الركعة الأولى من الصلاة يجب عليه قضاء ركعة بعد سلام إمامه . المأموم إذا فاته السجود مع الإمام بسبب زحمة أو نسيان أو نعاس أو غير ذلك حتى قام الإمام إلى ركعة أخرى إن طمع في إدراك الإمام قبل عقد الركوع فإنه يسجد ويتابع الإمام حتى يدركه قبل قيامه من الركوع وإلا تركه وتابع الإمام فيما هو متلبس به وقضى ركعة أخرى بعد سلام إمامه ، وَلاَ سُجَودَ إِلاَّ حَيْثُ شَكَّ أَنْ غَلاَ  أي : زاد فإذا شك أنه زاد في الصلاة يسجد بعد السلام فإن تيقن أنه لم يزد فلا سجود عليه .، المصلي إذا جاءته حية أو عقرب أو نحوهما من الهوام فقتلها وهو في الصلاة فلا شيء عليه  ما لم يكثر منه الاشتغال بذلك كأن يخرج من مكان الصلاة أو ذهب ليأتي بئالة والضابط في ذلك ما يعده العرف كثيرا، أو يلزم على فعله استدبار القبلة بقدميه ، فإن حصل واحد منها قطع الصلاة واستأنفها .، المصلي إذا شك هل هو في ركعة الوتر أو في ثانية الشفع فليجعلها ثانية الشفع ويسجد بعد السلام ثم يصلي ركعة الوتر.، ومن تكلم بين الشفع والوتر ساهياً فلا شيء عليه وإن كان عامداً كره ولا شيء عليه أي أن الفصل بين الشفع والوتر بالكلام مكروه إذا كان عمداً ، ولا كراهة في غير العمد، وعلى كلا الأمرين لا شيء على من تكلم غير الكراهة حيث تعمد الكلام . المسبوق إن أدرك مع الإمام أقل من ركعة فلا يسجد معه لا قبلياً ولا بعدياً لأنه لم ينسحب عليه حكم الجماعة بأن أدرك ما دون ركعة ولا يدخل مع الجماعة فيما يترتب عليها من سجود قبلي أو بعدي، لأنه لم يدرك مقتضاه من نقص أو زيادة ، فإن سجد معه قبل السلام بطلت صلاته ، لأنه غير مأموم حقيقة ولذلك يصح الإقتداء به ولا تبطل صلاته بما تبطل به صلاة الإمام وتندب له الإعادة مع الجماعة إن وجدها . وقال سحنون يتبع إمامه في القبلي دون البعدي ، وقال ابن شعبان يتبعه فيهما. ومن أدرك ركعة كاملة أو أكثر مع الإمام سجد معه القبلي، وأخر البعدي حتى يتم صلاته ثم يسجد البعدي بعد السلام لقوله عليه الصلاة والسلام : "مَن أَدركَ ركعةً من الصلاةِ فقدْ أَدركَ الصلاةَ". متفق عليه . قال ابن عبد البر رحمه الله : الْحَدِيثُ يَقْتَضِي عُمُومَهُ وَظَاهِرُهُ أَنَّ مُدْرِكَ رَكْعَةٍ مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ مُدْرِكٌ لِلْفَضْلِ وَالْوَقْتِ وَالْحُكْمِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَإِنْ لَمْ يُدْرِكِ الرَّكْعَةَ بِتَمَامِهَا فَلَمْ يُدْرِكْ حُكْمَ الصَّلَاةِ وَأَمَّا الْفَضْلُ فَإِنَّ اللَّهَ يَتَفَضَّلُ بِمَا يَشَاءُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَالْفَضْلُ فَضْلُهُ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَإِذَا كَانَ الَّذِي يَنَامُ عَنْ صَلَاتِهِ بِاللَّيْلِ يُكْتَبُ لَهُ أَجْرُ صَلَاتِهِ وَالَّذِي يَنْوِي الْجِهَادَ فَيَحْبِسُهُ الْعُذْرُ يُكْتَبُ لَهُ أَجْرُ الْمُجَاهِدِ وَالْمَرِيضُ يُكْتَبُ لَهُ مَا كَانَ يَعْمَلُهُ صَحِيحًا وَمُنْتَظِرُ الصَّلَاةِ فِي صَلَاةٍ فَأَيْنَ مدخل النظر ها هنا. الاستذكار لابن عبد البر1/ 59 .                            فإن سجد المسبوق البعدي مع الإمام عامداً بطلت صلاته لأنه أدخل فيها ما ليس منها ، وإن كان ناسياً سجد بعد السلام وقيل لا تبطل صلاة المسبوق بسجوده البعدي مع الإمام لمراعاة الخلاف في ذلك ، والأولى أنه لا يقوم للقضاء إلا بعد سلام الإمام من البعدي. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً ، اللهم إننا نسألك الهدى والتُّقى والعفاف والغِنَى ، اللَّهُمَّ إِنِّنا  نسأَلك مُوجبَات رحمتك وعزائم مغفرتك وَالْغنيمَة من كل بر، والسلامة من كل إِثْم  اللهم لا تدع لنا ذَنبا إِلَّا غفرته، وَلَا هما إِلَّا فرجته؛ وَلَا حَاجَة هِيَ لَك رضَا إِلَّا قضيتها ويسرتها.